مقالات

أكتوبر.. الروح التي عبرت قبل الجسد

يا له من يوم، السادس من أكتوبر عام 1973!

اثنان وخمسون عامًا مرّت على هذا اليوم العظيم، لم يكن مجرد تاريخ يُضاف إلى تقويم الزمن، بل هو نبضٌ متجدد في قلب الأمة، وعنوانٌ لا يُمحى لقصة الإرادة والكبرياء المصرية.

اليوم، ونحن نحتفل بذكرى هذا العبور العظيم، لا نُحيي مجرد انتصار عسكري، بل نُحيي روحًا مصريةً أبت الهزيمة، ورفضت الذل، وصنعت معجزةً على ضفاف قناة السويس. إنها ذكرى العقود الخالدات، ومجدٌ لا ينام.

بين ليل الهزيمة وفجر العودة

لقد مرّت سنوات ثقيلة، كانت فيها سيناء تبكي، وجرح الكبرياء عميقًا، كان ليل الهزيمة طويلًا ومُكبلًا، لكن قلب الوطن لم يستسلم.

في كل بيت، وفي همسة كل أم، كان هناك سؤال واحد: متى تعود الديار؟

لم يكن الأمر يتعلق فقط بقطعة أرض تُسترد، بل بوعدٍ مقدسٍ بين الشعب والأرض، قضية شرف لا تُشترى بالمال، بل تُفدى بالروح.

لقد كانت تلك الفترة هي صمت الإعداد، حيث صُنع وعد الثأر بعزمٍ وإيمان، وكانت العيون ترنو إلى الضفة الأخرى تنتظر فجر العزة. هذا الإيمان بعدالة القضية كان هو القوة الحقيقية التي رجّحت كفة الإرادة على كل التحديات.

صرخة الإرادة.. هدم “الأسطورة”

وفي السادس من أكتوبر، اجتمع الشوق الطويل، وانفجر العزم ليُمزق سُدول المستحيل.

في “ساعة الصفر”، لم يكن هناك تردد، بل قرار واحد بين الجندي المصري والموت: أن نكون أو لا نكون.

تلك اللحظة التاريخية كانت أمام جدار بارليف، “الأسطورة” التي قيل عنها: “لا تُهاب”.

لكن جنودنا، المُسلحين بالإيمان قبل السلاح، أثبتوا أن قوة الحق أقوى من كل جدارٍ باطل.

لقد تذكر الجندي وجه طفله، دمعة أمه، وقال بعزم لا يلين: “سأجعل المستحيل قريبًا، النصر قادم.”

اندفاع السيل وتحطيم الوهم

من تحت الماء، ومن فوق الرمال، اندفع سيل الجنود الأبيّ بقلوب مؤمنة.

لم يكن الاندفاع بالقوة المادية المجردة، بل بالصبر، والإصرار، والدماء التي روت رمال سيناء.

كانت الخراطيم المائية التي هدمت وهم بارليف رمزًا لعبقرية مصرية أصيلة، ولإرادة أقوى من كل حائط. وعندما دوّى صوت “الله أكبر” في البر والبحر، لم تكن مجرد تكبيرة، بل صرخة إيمان أسقطت جدارًا وأحيت أمة.

لقد أثبت أكتوبر أن البقاء ليس لأصحاب الجيوش العظمى، بل لأصحاب الحق والإصرار، كان النصر ثمرة عمل، وعهد صادق بين الأرض والإنسان.

الوفاء والعهد المتجدد

يا أكتوبر، يا نبض القلب الذي أبى الفناء، أنت الروح التي صاحت في وجه الظلم.

في ذكراك العطرة، علينا أن نقتبس منك درس الإصرار، لنصنع من نصرك جسرًا لعبور كل محنة وتحدٍّ.

تحية إجلال ووفاء لـ الشهداء الأبرار الذين روّوا أرض سيناء بدمائهم الطاهرة؛ فأسماؤهم نورٌ يُضيء الدروب.

وتحية تقدير لـ حُراس الوطن الأوفياء، درع مصر وسيفها.

اليوم، نرفع رؤوسنا ونقول من الأعماق: شكرًا أيها الجندي القويم،

يا من سَقيت الأرض بدم طاهر، وحميت الحدود كي نحيا بخير.

وشكرًا لـ شعبٍ صمد، ووقف صفًا واحدًا كالجبل، متحديًا الرياح، مؤمنًا بالحق.

تحيا مصر

رغم كل الصعاب والتحديات، مصر باقية، لأنها كتبت أن: الحق لا يضيع، والوطن فوق الجميع.

عاشت مصر الحبيبة منارة لكل الأحرار، ويحيا شعبها شعب الكفاح والإصرار.

تحيا مصر.. تحيا مصر.. تحيا مصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى