المغزى من توسيع مجموعة البريكس إعادة هيكلة نظام عالمي عفا عليه الزمن
مقال مترجم للدكتور هشام مراد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية
ترجمه عن الفرنسية : يسرا محمد مسعود
قبلت مجموعة البريكس المكونة من كل من :(الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا) ،في 24 أغسطس ،انضمام ست دول جديدة وهى : “المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة وإيران والأرجنتين وإثيوبيا”، من أجل إعادة هيكلة نظام عالمي تعتبره عفا عليه الزمن، لا يعكس وجود قوى ناشئة.
و قد ترك قادة البريكس، من خلال اختيار هذا التوسع، والذين اجتمعوا في قمتهم الخامسة عشرة في جوهانسبرج، الباب مفتوحًا للتوسعات المستقبلية: حيث ترغب العديد من الدول الأخرى في الانضمام إلى المجموعة – البريكس – ويأملون تغيير قواعد اللعبة العالمية، التي يهيمن عليها الغرب.
كما يضيف التوسع، الذي سيدخل حيز التنفيذ في الأول من شهر يناير القادم، وزنًا اقتصاديًا وجيوسياسيًا لمجموعة البريكس ويعزز طموحها المعلن في أن تصبح نصيرًا لبلدان الجنوب، التي يشعر الكثير منها بمعاملة غير عادلة من قبل المؤسسات النقدية الدولية التي يسيطر عليها الغرب. تسعى مجموعة البريكس إلى تطوير حركة نحو عالم متعدد الأقطاب وإضعاف هيمنة الولايات المتحدة، كما تمارسها هياكل مثل “صندوق النقد الدولي” و”البنك الدولى”.
وتعد وعود مجموعة البريكس بالدفاع عن مصالح الجنوب، جزءًا من تحول في توجه المجموعة الاقتصادية نحو الجغرافيا السياسية. وفي الأصل، فقد اجتمعت مجموعة البريكس حول قضايا التمويل والتنمية والتجارة. لكن الكتلة تطورت لترمز إلى مصالح الدول الناشئة في مواجهة الغرب المهيمن. وقد تسارع هذا التطور بظهور منافسات استراتيجية مريرة على الصعيد العالمي وتزايد تعدد الأقطاب. وهكذا، استندت بكين إلى التهديدات بشن حرب باردة جديدة مع واشنطن لتبرير توسيع الكتلة، فبالنسبة لموسكو، تعد المجموعة منتدى لتحدي الغرب الذي يسعى إلى عزل روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا.
أما بالنسبة للقوى الوسطى التي ترغب في الانضمام إلى مجموعة البريكس، فإن عضويتها تجلب لها فوائد اقتصادية واضحة، مثل الاستثمارات والمعاملات التجارية بالعملات المحلية، وسهولة الوصول إلى رأس المال والتكنولوجيا. كما أنه يوفر لهم مساحة لزيادة نفوذهم الدولي، خاصة في مواجهة الغرب.
نحن نتفهم أن الضغط من أجل التوسع كان مدفوعًا إلى حد كبير بالصين، التي تريد زيادة نفوذها العالمي ضد الولايات المتحدة وحصلت على دعم روسيا، ودفع كلاهما من أجل التوسيع من أجل تعزيز الكتلة باعتبارها ثقلًا موازنًا لمجموعة السبع والمؤسسات الأخرى التي يقودها الغرب وكبديل للنظام العالمي الليبرالي بقيادة الولايات المتحدة.
ومن ناحية أخرى، تخشى الهند والبرازيل تنفير الغرب وأن التوسع يضعف نفوذهما داخل الكتلة. وتعتقد الهند على وجه الخصوص، في منافسة مع الصين، أن التوسع الكبير من شأنه أن يحول مجموعة البريكس إلى متحدث باسم بكين. وتنجذب نيودلهي، التي لديها نزاع حدودي مع بكين، بشكل متزايد إلى واشنطن بسبب مخاوفها المشتركة بشأن الصين الحازمة، لذلك لن يكون من المرغوب فيه وجود كتلة معادية لأمريكا. وقد وجدت نيودلهي نفسها في موقف صعب في مواجهة تغيير هوية البريكس، وأبطأت العضوية الجديدة العام الماضي من خلال الدعوة إلى التطوير المسبق لمعايير العضوية.
واقترح على وجه الخصوص ألا يخضع عضو جديد لعقوبات دولية، باستثناء العضوية المحتملة لإيران، لكن كان من الصعب إيقاف الحركة، بالنظر إلى ضغوط الصين، اللاعب الرئيسي في المجموعة، بدعم من روسيا.
ويعكس التوسع المقرر في جوهانسبرغ عدة اعتبارات مختلفة، الإعتبار الأول :هو الرغبة في تمثيل الجنوب ككل: ثلاثة بلدان آسيوية، اثنان من أفريقيا ،وواحد من أمريكا اللاتينية، والإعتبار الثانى : أنه يفي بالمعايير الاقتصادية والاستراتيجية ، فهي تربط بين ثلاثة من كبار منتجي الطاقة، وهى كلاً من المملكة العربية السعودية وإيران والإمارات العربية المتحدة، وأكبر المستهلكين في العالم النامي، كالصين والهند، مما يعزز النفوذ الاقتصادي لمجموعة البريكس ويوسع مجالها للمناورة ضد هيمنة الدولار في تجارة النفط والغاز من خلال التحول إلى العملات الأخرى. وتدين إيران بعضويتها لعلاقاتها الوثيقة مع موسكو وبكين. وقد قعت في مارس 2021، اتفاقية شراكة استراتيجية لمدة 25 عامًا مع الأخيرة، مما جعلها أحد أعمدة المبادرة الصينية «الحزام والطريق». كما صنعت طهران قضية مشتركة مع موسكو في معركتها ضد العقوبات الأمريكية والعزلة الدبلوماسية، حيث تعمقت علاقاتهما الاقتصادية في أعقاب الصراع الأوكراني.
أما بالنسبة لمصر، التي تحتفظ بعلاقات وثيقة مع بكين وموسكو، فهي أكبر سوق في الشرق الأوسط، وهي قوة إقليمية ذات موقع استراتيجي بين إفريقيا وآسيا وتسيطر على طريق بحري رئيسي، وهو قناة السويس، التي يمر عبرها 12٪ من التجارة العالمية . أخيرًا، الأرجنتين وإثيوبيا قوتان إقليميتان:الأولى كانت مطلوبة من قبل البرازيل بينما الثانية، كانت مدعومة بشكل أساسي من قبل جنوب إفريقيا، لتعزيز الوزن النسبي لقارات كل منها داخل مجموعة البريكس.