رقائق البطاطس .. رقائق الإلكترونيات .. رقائق القلوب
ريتا بدرالدين تكتب:
نحن نعيش عصر الرقائق في عالم تزدحم فيه هذه المنتجات التي تغرق رفوف المحلات والسوبر ماركت والأكشاك بها وتتنوع أصنافها وتختلف نكهتها بطعم الجبنة وطعم الشطة إلى آخره ترضي جميع الأذواق ، فكل فترة تنتج المصانع نكهات جديدة ومبتكرة ،ماهذا الإبداع الذي يتحقق منه أرباح خيالية؟ ، من منا لايحب رقائق البطاطس (الشبسي) الكبار والصغار؟ ،وأصبح مألوفا أن تشاهد كل أفراد العائلة حاملة هذا الكيس الصغير الخفيف في كل الأماكن حتى في أوقات العمل!وهذا الشغف يرافق الطفل حتى الكبر فتراه يأكل هذه الرقائق مع والديه وأجداده أيضا ، والمشهد الجميل هو الاستمتاع بأكل الشبسي حين مشاهدة التلفزيون أو الموبايل ، فصوت القرقشة يطغى على صوت التلفزيون وتتحول القرقشات إلى سيمفونية تسعد مصادرها الذاتية وتروق لهم سماع إيقاعها الذي يحثهم على طلب المزيد من أكياس رقائق البطاطس،
وهكذا يتكاثر الإنتاج ويتكاثر الاستهلاك ، وتتحقق الأرباح وتعتبر هذه الصناعة ناجحة مثمرة ، فاليد التي حملت كيس رقائق البطاطس (الشبسي)شاركت يد العامل في ازدهار الصناعة الوطنية، أما اليد الثانية التي تحمل الموبايل (المحمول )فهي تدعم العامل الأجنبي الذي يصنع هذا المنتج المنتشر بكثافة وأصبح من السلع الضرورية أكثر منه سلعة كمالية، وهنا نتوقف أمام هذا الجهاز الذي تزداد وتتعدد وظائفه ومميزاته بسرعة متلاحقة ،ورغم أسعاره المرتفعة فان الإقبال على شراءه يزداد.
والذي يجعل هذا الموبايل جاهزا للاستعمال والاستهلاك هو وجود رقائق إلكترونية في جوفه وهذه الرقائق تصنع من رمال ذات خاصية مميزة موجودة في صحراء سيناء، هذا يعتبر ثروة من ثروات أرض الفيروز وهذا مصدر هام جدا لتصدير هذه الرمال إلى البلدان التي تنج هذا الجهاز وهنا نتساءل ، مادام عندنا هذه الثروة لما ذا لا نقيم المصانع وندرب اليد العاملة الوطنية وننافس الصين والهند وغيرها من الدول التي برعت في الإلكترونيات ،وهذه الرقائق تدخل في صناعة السيارت أيضا وغيرها .
الرمل المصري له قيمة كالغاز المصري منه للاستهلاك المحلي وقسم منه للتصدير ليعود بالفائدة على الاقتصاد وتوفر الدولار متى سنشاهد على التلفزيون افتتاح مصانع لصناعة رقائق الإلكترونيات في مصر، نشاهد ونفتخر بالصناعة المصرية التي تواكب التطور السريع وتنافس في السوق العالمي ومع ذلك سنستمر بقرقشة رقائق البطاطس ونحن أمام التلفزيون وبيدنا الموبايل المصري ذوالجودة العالية .
لا نختلف على أن سنة الحياة هي التطور والتقدم ومواكبة العصر الذي نعيشه والتفاعل مع كل ماينتج من التكنولوجيا والذكاء الصناعي والعمل بجهد لوضع مشاريع وخطط لوضع مصر على خريطة الدول المنتجة لهذه الأجهزة المتنوعة من الموبايلات حتى الروبوتوتات، وسط هذا العالم وتحدياته.
وهنا نتساءل، أين رقائق القلوب في مواجهة هذه الجحافل من الآليات المبتكرة؟ والتي أنتجها العباقرة والنوابغ وجعلوها تتفوق على الانسان شكلا، وأصبحنا نعيش عصر تزدحم فيه الماديات وتتحكم وتبالغ بالسيطرة ، وتحول الخيال العلمي إلى حقيقة، وكل هذا الكم الهائل جاء نتيجة استعمال جزء صغير جدا جدا من الدماغ ، فلو تخيلنا شكل الحياة بعد ألف عام كيف سيكون!!!؟؟؟
الخيال المطلق تطابق مع الواقع هل اسنزف الخيال والعلم وخلى الرصيد ؟ أظن لا، لأن العلم لا ينتهي والخيال لا ينتهى وهذا من أسرار الوجود .
نعود إلى رقائق القلب هل رقائق التكنولوجيا و الإلكترونيات حجمت وقلصت من مساحة ودور القلب هذا العضو الصغير مستودع القيم الإنسانية والروحانيات، هذا القلب الذي يتحدى القوى المادية ، والانسان العاقل المتحضر والذي يستعمل عقله عليه أن يحرص على إيجاد التوازن ، فالقيم الإنسانية والمثل العليا والمشاعر السامية والنبيلة هي عنوان وجودنا في هذا الكون ،وإني أرى أن العظمة الحقيقية هي برقائق القلوب.