هل تفعلها الدول العربية والإسلامية وتقاطع الجمعية العامة الثمانين؟
لم يعد سراً أن الولايات المتحدة، في عهد دونالد ترامب، لم تكن مجرد دولة كبرى تمارس نفوذها، بل تصرّفت وكأنها المالك الحصري للنظام الدولي. من فرض العقوبات على روسيا مروراً بابتزاز حلفائها الأوروبيين، وصولاً إلى الدعم الأعمى لإسرائيل، ظلّ ترامب يجلس خلف مكتبه كـ”إمبراطور” يتعامل مع قادة العالم كالتلاميذ في فصل دراسي.
واليوم يعيد ترامب المشهد ذاته، بقرار جائر يمنع الوفد الفلسطيني الرسمي، ممثلاً في الرئيس محمود عباس، من حضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. قرارٌ لا يُقرأ إلا في سياق واحد: انحياز مطلق لإسرائيل وسياساتها العنصرية في فلسطين، وإمعان في إذلال المؤسسات الدولية التي يفترض أن تكون ساحة متكافئة للجميع.
اللجنة الوزارية العربية – الإسلامية بشأن غزة عبّرت عن أسفها، وأكدت في بيانها ضرورة احترام اتفاقية مقر الأمم المتحدة، ودعم السلطة الفلسطينية ورئيسها في مواجهة التصعيد غير المسبوق ضد الشعب الفلسطيني. لكن السؤال الجوهري: هل تكفي البيانات؟
التاريخ يذكّرنا بما حدث عام 1988، حين منعت إدارة ريغان الرئيس ياسر عرفات من دخول الولايات المتحدة، فكان الرد مزلزلاً: الجمعية العامة للأمم المتحدة نقلت اجتماعها التاريخي إلى جنيف، لتصدر قرارها 177-43 الذي اعترف باسم “فلسطين” وأكد سيادة شعبها على أرضه المحتلة. يومها قال أبو عمار إن القرار لم يكن انتصاراً على أميركا فقط، بل انتصاراً للضمير الإنساني وللعدالة التي قامت عليها الأمم المتحدة.
اليوم، أمام العرب والمسلمين فرصة مماثلة، فهل يمتلكون الجرأة ليقاطعوا الدورة الثمانين للجمعية العامة ويتركوا مقاعدهم فارغة احتجاجاً على الإقصاء الأميركي لفلسطين؟ إن حدث ذلك، سيكون رسالة مدوية بأن هذه الدول لا تزال تملك القدرة على الفعل الجماعي، وأنها لن تسمح بتمرير إهانة جديدة للشعب الفلسطيني تحت سقف الأمم المتحدة.
لقد ملّ الشارع العربي والإسلامي من لغة الشجب والاستنكار. المطلوب الآن موقف عملي يعيد الاعتبار لفلسطين، ويضع واشنطن أمام مسؤولياتها، تماماً كما حدث في جنيف قبل أربعة عقود. والسؤال الذي يفرض نفسه: هل تُكتب هذه اللحظة كصفحة جديدة في تاريخ المواجهة الدبلوماسية، أم يظل العرب والمسلمون أسرى بيانات بلا أثر؟