دنيا و دين
مولد الهدى والنور (2)
بقلم/ أحمد فيظ الله عثمان
مدير إدارة المعادى التعليمية سابقًا
نجد من العسير على الانسان أن يلم بصفات الرسول فى كلمات قليلة فإن صفاته أكثر من أن تعد وتحصى وأدعو الله أن يوفقنى في بيان عظمة الرسول عليه الصلاة والسلام فى صفاته وأخلاقه .
لقد زاعت فى مكة محامده وشاعت خلائقه بين الناس ونرامت أنباء صدقه وأمانته وانتهى ذلك إلى السيدة (خديجة بنت خويلد) وهى فى قريش أعقل امرأة ولها مال جم وتجارة واسعة فأرسلت إليه ليتجر فى مالها فقبل وسافر مع غلامها (ميسرة) فى تجارتها إلى الشام وما إن عاد عليه السلام من رحلته حتى كان ربح التجارة وافرا وأخبار رحلته تسبقه إلى مكة مما أدى إلى اتصال السيدة خديجة بهذا الأمين وتم الزواج الذى كان له أبعد الآثار فى تاريخ الدعوة الاسلامية ولخديجة يومئذ أربعون سنة ولسيدنا رسول الله خمس وعشرون سنة وقد اجتمع لهذا الزواج كل معانى المودة والرحمة والوفاء والبر والحنان ، والسعادة والألفة ، كان وفيا لأيامها ، وفيا لذكراها ، وفيا لصديقاتها حتى لقب عام وفاتها (بعام الحزن) وأين نحن من كل ذلك فى هذه الأيام؟ مشاكل لاتنتهى بين الأزواج وتصل إلى الطلاق بل إلى انتشار جرائم قتل فى ظل الأخلاقيات المتدنية !
لقد كان الرسول يتحلى بالبساطة فى ملبسه وفى معيشته كان يعمد إلى الخشونة فى العيش لا إلى الراحة وكان يعتز بفقره ولم ينظرإلى أى عمل مهما كان وضيعا نظرة إحتقار أو استهجان كان فى وقت من الأوقات يصلح نعليه بيديه الشريقين وكان يرتق ثيابه ويعمل جاهدا دون كلل مع صحبه ، حيث اشنرك معهم فى بناء مسجد المدينة ثم فى حفر الخندق عندما أراد الكفار الهجوم على المدينة .
ومن صفاته أيضا العدل وحب الانصاف بين الناس فلم يكن يفرق بين صديق وعدو ولابين قريب أو غريب الحق لديه حق فلم تكن المحسوبية ولا الوساطة موجودة فى عهد الرسول عليه الصلاة والسلام كما هى موجودة ومننتشرة فى عصرنا فالعقاب يجب أن ينزل بأى إنسان حتى ولوكان المخطىء ابنته فاطمه .
أما خلته الطيبة فكانت الغفران والرحمة وفى القرآن الكريم يقول الله سبحانه وتعالى ( ولو كنت فظا عليظ القلب لانفضوا من حولك ) ويخاطبه الله تعالى فى آية أخرى (وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين) وهذا يتبين عندما هزمت أمامه جيوش قريش التى حاربته نحو عشرين عاما.
ودخل مكة فاتحا ، سألهم ما تظنون أنى فاعل بكم؟ قالوا خيرا ، أخ كريم و أبن أخ كريم فرد عليهم بعفو شامل وكرم نادر وقال : (اذهبوا فأنتم الطلقاء) .
أما عطفه على الفقير والمحتاج فهى خلة من خلاته النبيلة فكان يطعم الجائع فى حين كان هو نفسه جائعا وكان يقضى حاجات صحبه قبل حاجته فذات يوم أعطته امرأة ثوبا كان فى شدة الحاجة إليه وبعد قليل طلب إليه أحد الناس شيئا يصلح أن يكون كفنا لميت فأعطاه ذلك الثوب . كان لايتكلم فى غير حاجة وهو القائل : (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا ، أو ليصمت) وهو القائل أيضا : (من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه) اما اليوم نشاهد العجب العجاب فى حالة بحث موضوع ما فى جلسة حوار ( الصوت العالى والهجوم على الآخرين والتدخل فى الكلام بعيدا عن النظام ….. الخ ) .
ومن صفاته أيضاالرجولة الحقة إذ يقول الرسول عليه الصلاة والسلام (والله لو وضعوا الشمس فى يمينى ، والقمر فى يسارى على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله ، أوأهلك فيه ماتركته) كما تتجلى فى أعماله وفى أدوار حياته ، فحياته كلها سلسلة من مظاهر الرجولة الحقة والبطولة الفذة ( ياأيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا وأتقوا الله لعلكم تفلحون) ،(المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف).
وأما عن حياته المنزلية فقد وضع الرسول عليه الصلاة والسلام أحسن الأمثلة وأروع التقاليد ، كان زوجا محبا وأبا بارا ، هو الذى رفع من شأن المرأة ومنحها مركزها المحترم فى مجتمع متأخر كالمجتمع الذي عاش فى جزيرة العرب كان يقول لأصحابه : (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى).
والمتأمل فى حياته المنزلية يراها أجزاء ثلاثة :
1 _ فجزء منها لله تعالى يتعبد فيه بالصلاة وقراءة القرآن والذكر والتفكر فى ملكوت الله .
2- وجزء لنفسه جعله قسمين : قسما خاصا بذاته الشريفة من راحة ونوم وأكل وشرب وغير ذلك مما يليق به .
3 _ والجزء الآخر لأهله يدبر أمرهم، ويصلح شأنهم ويلاطفهم ويعاونهم فكان صلى الله عليه وسلم يخيط ثوبه ويخصف نعله ، ويحلب شاته ويعين أزواجه ويساعد خدمه .
وكان صلى الله عليه وسلم يصبغ حكومته بالعدل مع الإخاء ويضع الرحمة إلى جانب العدل
ويؤثر العفو على العقاب وقد اتخذ صلى الله عليه وسلم من أصحابه أبا بكر وعمر وعليا وخديجة يشاورهم فى الأمر ويرجع إلى رأيهم ، وكثيراما كان يرجع عن رأيه ويعمل بنصحهم وعندما سأل رجل رسول الله : أى الاسلام خير ، قال : ( تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لا تعرف ) ويقول الرسول ( وتعاونوا على البر والتقوى ولاتعاونوا على الاثم والعدوان ويقول أيضا : (لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )
وهكذا نجد من العسير على الإنسان أن يلم بصفات الرسول فى كلمات قليلة فصفاته تحتاج إلى كتب ومجلدات كثيرة فهى أكثر من أن تعد وتحصى .
والأمة اليوم مطالبة أن تقوم بنشر فضائل الرسول الكريم وصفاته العظيمة على العالمين بمختلف الطرق والوسائل المتاحة إذ أننا نعيش فى عالم زحمة المعلومات وتنوع وسائل الاتصالات فإذا ما أغتنم هذا الجانب أحسن اغتنام ووظف فى التعريف بشكل جيد بمزايا سيد الأنام ، سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، كان ذلك مدعاة لاهتمام الآخرين بشخصيته عليه الصلاة والسلام والبحث الجاد عن أخلاقه وشمائله ولنذكر عظمته وكرامته عند رب العالمين ونربى أبناءنا وبناتنا على ذلك فقد كانت سيرته وأعماله ، وتصرفاته وأقواله سجلا للحياة الطيبة ونبراسا يهتدى به ويرجعون إليه إذا ضلوا .