فنون

محمد عبلة: رفضت وسام “جوته” بسبب موقف ألمانيا الداعم لإسرائيل

الفنان التشكيلى محمد عبلة:

  • يُعد من الفنانين الذين يهتمون بالبيئة الشعبية والتفاصيل الإنسانية فى أعمالهم.
  • لا يستقيم أن أظل محتفظًا بوسام “جوته” رغم قيمته الأدبية، وبات لزامًا أن أتبرأ منه.
  • أقام العديد من المعارض الفنية فى مصر والعالم، وحصل على العديد من الجوائز.
أمنية السيد حجاج
أمنية السيد حجاج

 

 

 

 

 

أجرت الحوار: أمنية السيد حجاج

 

فى حوار خاص مع الفنان التشكيلى العالمى “محمد عبلة” لـ”أخبار الساعة” ركز من خلاله على الجوانب الإنسانية فى شخصيته وحياته، وكشف فيها عن المزيج من التحديات خلال رحلة فنية تجاوزت 42 عامًا استطاع خلالها أن يرسم من رحم ووجوه البشر لوحاته التجريدية التى اشتهر وعبر بها إلى العالمية رغم أنه واجه العديد من الصعوبات خلال مسيرة حياته واستطاع أن يتجاوزها بالرغم من تحدياتها ومتعتها.

 

محمد عبلة: رفضت وسام "جوته" بسبب موقف ألمانيا الداعم لإسرائيل
محمد عبلة: رفضت وسام “جوته” بسبب موقف ألمانيا الداعم لإسرائيل

 

وفى حوارنا معه نحاول أن نقترب من عالمه المتفرد والخاص والذى يحمل ملامح المصريين وروحهم، وإلى نص الحوار:

  • حدثنا عن طفولتك وبداية موهبتك فى الرسم؟

أنا من مواليد سنة 1953 بمدينة بلقاس بالمنصورة، وتعرفت منذ مرحلة مبكرة من حياتى على مثقفى المدينة، وساهمت فى التعرف على رموز الفن والثقافة. التحقت بكلية الفنون الجميلة رغم معارضة والدى، وسافرت إلى ألمانيا لتبدأ رحلتى مع الفن التشكيلى، وحصلت على العديد من الكريمات التى كان آخرها وسام “جوته”، وهو أرفع وسام ألمانى تقديرًا لجهودى فى المشهد الثقافى المصرى، لكنى رفضت استلامها.

بداية أنا أسكن فى مدينة بلقاس بالقرب من المنصورة وهى من أوائل المدن المميزة، نشأت وترعرت فيها، وكانت تضم سينما ومسرح ومكتبات وتصدر جريدة أسبوعية ولا تخلو من الجو الأدبى والثقافى والفنى الكبير .. وكنت أرسم مثل أطفال كثيرة فى سنى، وقد اكتشف المدرسين فى المدرسة الابتدائية موهبتى وبدأوا فى تشجيعى رغم شقاوتى، لكن الرسم بالموهبة يحتاج مناخ جيد وتوجيه من مدرس الرسم، وهذا كان متاح فى المدرسة الابتدائية. وعندما انتقلت للمدرسة الإعدادية وجدت تشجيع منقطع النظير من المدرسين بسبب تفوقى فى الرسم.

  • أود التعرف على تجربتك عن العلاج بالفن؟

عندما انتهيت من دراستى الجامعية فى الفنون الجميلة بجامعة الإسكندرية سافرت إلى أوروبا وتعرفت هناك على مجالات كثيرة فى الفنون. سافرت إلى ألمانيا ثم النمسا وبعدها إلى سويسرا التى أُتيح لى فيها التعرف على كيفية العلاج النفسى والعلاج بالفن أيضًا، وهنا كانت المجازفة بإنى افتتحت عيادة للعلاج بالفن وكانت أول عيادة تعمل فى هذا المجال.

  • كيف تعالج بالفن؟

العلاج بالفن مؤثر جدًا ومفيد فى الوقت نفسه، فالعلاج النفسى الطبيعى يجب أن تذهب للطبيب المعالج وتجلس فى عيادته ليسمعك ويتعرف على أعراض مرضك ثم يكتب لك العلاج المناسب .. وهكذا، والعلاج بالفن كان نتيجة دراسة، ذهبت لأتعلم فى معهد مشهور لأدرس العلاج بالرسم فوجدت فيه اتجاه جديد للعلاج بالفن وبدأت أدرسه وعملت دراسات فى علم النفس بالجامعة، وبناء عليه فتحت عيادة للعلاج بالفن كانت الأولى من نوعها وحققت إنجازات هائلة. ونحن كعادتنا نتكلم كثيرًا وفى العيادات العادية يمكن أن نكذب بالكلام، ولكن فى الفن لا يمكن الكذب ولا يمكن تطبيقه فى الرسم. المعالج النفسى يمكن أن ينظر إلى الرسومات ويستنبط منها أشياء يمكن أن تفيد المريض، وأهم شئ أن يتعرف على المشكلة ويبدأ فى علاجها.

  • هل يمر الفنان التشكيلى بمعاناة تكون له حافز لمساعدته فى رسم لوحة فنية معينة يفكر فى تنفيذها بشكل مُطلق؟

ليس من الضرورى أن يمر الفنان بهذه المراحل، أهم شئ فى الفن أن تحتوى على أسئلة وتساؤلات وعدم يقين وعدم توافق ويبحث عن إجابات لهذه الأسئلة، لأن الحيرة والأسئلة هى التى يولد منها رحم الفن.

  • كيف بدأت الفكرة لديكم عن متحف الكاريكاتير الذى يُعد الوحيد فى مصر والشرق الأوسط ، وكيف جاءت فكرة اختيارك للفيوم؟

بداية أنا امتلك منزل بالفيوم منذ 35 عامًا وأحب هذه المدينة من زمن .. وعندما تخرجت من كلية الفنون الجميلة حاولت العمل كرسام كاريكاتير فى مجلة صباح الخير، لكن جاء الرد بأنى لا أصلح للعمل فى هذا المجال، ولكن حبى للعمل فى رسم الكاريكاتير جعلنى أهتم بجمع رسوماته إلى أن جمعت مجموعة كبيرة جدًا منها منذ عام 1920 حتى الآن. جمعت رسومات على مدى 20 عام من كل فنانى الكاريكاتير فى مصر والدول العربية.

 

محمد عبلة: رفضت وسام "جوته" بسبب موقف ألمانيا الداعم لإسرائيل
محمد عبلة: رفضت وسام “جوته” بسبب موقف ألمانيا الداعم لإسرائيل

أما عن المتحف فخصصت له مدينة الفيوم لأن به مكان متسع والمتحف كبير به خمس حجرات، ومن ناحية أخرى فإن الفيوم مدينة هادئة والأفواج التى تأتى عندها وقت متسع لرؤية النماذج واللوحات المعروضة والبقاء لساعات، لكن إذا نفذتها فى القاهرة أو الجيزة فالمشاهدة قد لا تزيد على خمس دقائق وينصرف المشاهد، كما أن الفيوم مدينة جميلة بعيدة عن الضوضاء والازدحام.

  • هناك اتهام بأن الفن التشكيلى غير مفهوم .. ما رأيك فى هذا، وما السبب؟

الفن لغة مثل أى لغة (إنجليزة، فرنساوى، إسبانى)، لكى نفهم اللغة لابد أن نتعلم أبجديتها ومقاماتها والمساحات والخطوط والألوان التى تحكمها. فالفن يحتاج لإحساس لأنه كلما نفهم لغة الفن كانت علاقاتنا بالأعمال الفنية أسهل، لأننا نرى الفن ونتقبله بدرجات مختلفة، لكن المشكلة أن المشاهد للوحات يريد أن يفهم الرسم كالكتابة والشعر، بالرغم من أنه توجد أنواع كثيرة من الفن التشكيلى .. عندما نحب الفن نتعلم منه أكثر.

  • نجد فى لوحاتك عن الشخصية المصرية بأنها تتسم بالبساطة والبراءة .. فهل تغيرت من وجهة نظرك الفنية الآن مع تغير الأحوال الاقتصادية والاجتماعية؟

الفنان دائمًا ينظر إلى الواقع المُعاش ويستمد أفكاره من الحياة مهما تغيرت، فالحياة تتغير كما الأفكار، ومنط الحياة يتغير أيضًا كما نمط اللوحات، وطالما الحياة تتغير فاللوحات تتغير. فمنذ زمن كنت أرسم الشوارع وبها حمير وحناطير وأرسم المراكب فى النيل، فالفن يتغير مع أسلوب الحياة، لذا فالسمات فى الرؤية المصرية تتغير ويتغير معها نمط وسمات الفن، فأنا مثلاًا كنت لا أرسم موتوسيكلات لكن الآن أرسمها.

  • تحدثت عن تجربة الإمارات فى الإبداع الفنى وتسير الآن على خطى الفن التشكيلى لكن بشكل مختلف .. كيف؟

حتى الآن لا يوجد فن تشكيلى فى الإمارات، لكن توجد بيئة مُحفزة على الفن، كما توجد مجلات فنية ومزادات فنية وقوانين تشجع على انتشار الفن، فهم يملكون السوق، وهذا مهم جدًا، باعتبار أن الإمارات تكسب سنويًا نحو مليار دولار لا تحصل مصر منها إلا الفتات لأننا ننتج ونبيع هناك وهم الذين يستوردوا فننا، عندهم قوانين منضبطة وسيولة وحركة فى الجمارك والشحن، ونحن نملك الفن وهم عندهم التسويق .. نحتاج للاستفادة من هذه الخبرة لكى نستطيع تسويق فننا لأنه يُعد خدمة كبيرة لانتشار إنتاجنا من أجل تشجيع الشباب والفن.

  • كيف ترى مستقبل الفن التشكيلى فى مصر فى ظل المعوقات الاقتصادية والاجتماعية وعدم إدراك الكثير بقيم اللوحات، أى ينقصهم الوعى بالفن التشكيلى؟

نحتاج ثورة فى التعليم والحياة لأنهم الأساس فى انتشار الفن والميديا تنشره، ونحتاج إلى إعادة فى هيكلة هيئة التدريس مرة أخرى لبحث مشروع تشجيع عودة الفن فى المدارس لترويج الفن المصرى وعندنا شباب واعد يحتاج لنهضة كبيرة فى التعليم الفنى.

  • فى نهاية اللقاء، هل يمكن توجيه رسالة لشباب وفناني مصر بخصوص قضية الوعى الفنى ودوره فى نهضة الشعوب؟

أوجه رسالة للفنانين الشباب بأن يهتموا بتثقيف أنفسهم ويقرأوا الواقع جيدًا، ولا يسعون للشهرة بسرعة ويتركوها للزمن والوقت يحكم، لأن الفن حالة خصوصية وكل بيئة لها فنها، ويجب على الفنان الإحساس بمن حوله، وما هى أحلامه، ويحاول أن يعبر عنها ومدى تأثيرها فى لوحاته.

  • نعلم أن الفن والسياسة يمثلون عملة واحدة لنهضة الشعوب .. عندما حصلت على وسام “جوته” الألمانى واعتذرت عن استلامها بسبب الأحداث الأخيرة فى غزة .. ما هى وجهة نظرك من ناحية العلاقة بين الفن والسياسة؟

وسام جوته يُعد أرفع وسام شرف رسمى لجمهورية ألمانيا الاتحادية وأهم جائزة فى سياستها الثقافية الخارجية، يُكرم الشخصيات التى تلتزم بالتبادل الثقافى الدولى. وتقترح معاهد جوته فى الخارج المرشحين بُناءً على أهميتهم الثقافية والسياسية وعملهم الفنى، ويتم اختيار الفائزين من قبل لجنة تحكيم متخصصة مكونة فى العلوم والفنون والثقافة.

وللعلم، فأنا لم أتقدم لنيل هذا الوسام، وكان هذا فى أغسطس عام 2022، وكان من ضمن شروطهم أن يختاروا فنانين مشهورين على مستوى العالم من معهد “جوته” الذى رشحنى ولم أعلم بالوسام إلا عندما أخبرونى به وسألت ما سبب حصولى عليه فجاء الرد “لأنك متفوق فى مجالك كفنان تشكيلى ومهتم بقضايا الناس والتقارب بين الشعوب والقيم الإنسانية، وبناء عليه رُشحت لنيل الوسام” .. وكنت سعيد جدًا به.

لكن عندما شاهدت الأحداث الأخيرة فى غزة وعلمت أن الحكومة الألمانية تمد الصهاينة بالسلاح وتؤيدهم فى أعمال العنف والقصف وهدم منازلهم وتهجيرهم وتشريدهم .. وتُعد ألمانيا ثانى دولة بعد أمريكا تؤيد وتشارك إسرائيل فى قتل الأطفال والنساء وتشريد عائلات فلسطينية، فأحسست وقتها بأن هناك تناقض بين المبادئ التى أخذت الجائزة عليها وبين ما يحدث من دمار لشعب أعزل فقلت (لا) أنا أرفض الجائزة وأرفض ما تفعله ألمانيا بدعمها للقتلة الصهاينة .. فرفضت استلام الوسام لهذا السبب.

  • أنت من الفنانين المميزين الذين جمعوا بين الفن التشكيلى (رسم ونحت) بدقة ومهارة .. كيف؟

أرى أن الفنان لا يرسم ولا ينحت فقط لأن الفن لا يتجزأ .. وتوجد أعمال فنية أجمل عند تنفيذها كالتماثيل، فالفنان مستعد دائمًا لأن يبحث عن أنسب الطرق التى يعبر بها عن أفكاره، وأنا أعمل بكثرة فى النحت لإنى أحبه وأريد أن أعبر به عن نفسى .. وأملك من أعمال النحت الكثير.

  • ما هى أشهر التماثيل التى تعتز بها وقمت بنحتها .. وأين توجد .. وهل تمثل تحولاً فى حياتك الفنية؟

قمت بنحت تمثال مهم جدًا فى ألمانيا اسمه “سيزيف” وهو من أجمل التماثيل التى نفذتها وموجود فى ألمانيا منذ 20 سنة، والشعب الألمانى يحبه ويحافظ عليه. يرمز هذا التمثال لمعاناة الإنسان الذى يصعد من صخرة إلى الجبل، وهذا التمثال أحبه جدًا لأنه من أحد المهمة بالنسبة لى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى