كيف تؤثر الموسيقى في الدماغ والجسم والمشاعر؟
ترجمته عن الفرنسية:
يسرا محمد مسعود
تُعد الموسيقى الفن الأكثر شيوعًا على سطح الأرض؛ فهي تنشط طاقتنا، وتهدّئنا، وتحرك مشاعرنا، وتؤثر فينا، وتجمع بيننا. ومهما اختلف الأسلوب الموسيقي الذي نسمعه، فإن له تأثيرًا مباشراً ومحفزًا على الدماغ، بل يحمل خصائص وقائية وعلاجية أيضًا. فما هي هذه التأثيرات؟
الموسيقى وتأثيرها على الدماغ:
القطعة الموسيقية ليست مجرد لحن وإيقاع وكلمات، بل هي أيضًا تجربة شعورية. إنها منظومة معقدة تُفعّل عدة مناطق من الدماغ في آنٍ واحد، وتؤثر فيها تأثيرًا عميقًا. فالموسيقى لا تُحفّز فقط المناطق السمعية كما كان يُعتقد قديمًا، بل تساهم أيضًا في تحسين جودة الحياة، وتأخير مظاهر الشيخوخة.
أولًا: تنمية مرونة الدماغ:
عند الاستماع إلى الموسيقى، تُنشَّط مليارات الخلايا العصبية في الوقت ذاته، في ما يشبه “السيمفونية العصبية”، حسب تعبير إيمانويل بيجاند. وهذا التنشيط المتعدد يعزز من المرونة العصبية، وهي قدرة الدماغ على التغير والتطور وإعادة التنظيم. فالموسيقى تساهم في إنشاء روابط جديدة بين الخلايا العصبية، وتقوية الروابط الموجودة، بل وتحفيز تكوّن خلايا عصبية جديدة. وبهذا، يصبح الدماغ أكثر ثراءً واتساعًا في دوائره العصبية.
ثانيًا: تعزيز الذاكرة:
تحفّز الموسيقى أنواعًا متعددة من الذاكرة. ويظهر ذلك بوضوح عند العزف على آلة موسيقية، حيث يتطلب الأمر حفظ اللحن، واستيعاب النوتة الموسيقية، وضبط الحركات الدقيقة. ومع مرور أسابيع قليلة من التدريب، يطرأ تغير ملحوظ على دماغ العازف.
وقد أظهرت تقنيات التصوير العصبي أن الذاكرة الموسيقية تعتمد على دوائر عصبية متنوعة، ما يمنحها مقاومة استثنائية للنسيان. بل إن ذكريات الموسيقى غالبًا ما تكون آخر ما يُفقد عند تراجع الذاكرة. وقد نجح هيرفيه بلاتيل وفريقه في غرس لحن جديد في ذاكرة مرضى الزهايمر في مراحله المتقدمة، حيث تمكّنوا من حفظ أغنية وتذكّرها بعد شهور، في تجربة بدت مستحيلة نظريًّا، إلا أن الموسيقى وجدت طريقها عبر المتعة والتحفيز.
ثالثًا: تحسين المهارات الحركية:
الاستماع إلى موسيقى ذات إيقاع يثير الرغبة الطبيعية في الحركة لدى الإنسان، حتى في سن الطفولة. وتُعرف هذه الظاهرة باسم “الدائرة السمعية الحركية”، وهي أكثر تطورًا لدى الموسيقيين، الذين يستخدمون الإيماءات لصنع الألحان.
وقد استغلّ الباحثون هذه العلاقة في برامج إعادة التأهيل الحركي لمرضى باركنسون أو من تعرّضوا للسكتات الدماغية. وكانت النتائج واعدة؛ إذ تحسنت القدرات الحركية للمشاركين في الورش الموسيقية بشكل أكبر مقارنة ببرامج التأهيل التقليدية، وكان ذلك في أجواء مليئة بالمتعة.
رابعًا: تنمية المهارات الاجتماعية:
الموسيقى تجربة نرغب في مشاركتها مع الآخرين، فهي لغة عالمية تربط الناس بمشاعر مشتركة. وعندما نكتشف قطعة موسيقية تحرّكنا وجدانيًّا، نميل إلى مشاركتها مع من حولنا.
وفي دراسة نُشرت في مايو من قبل ستة باحثين فرنسيين، تبيّن أن مشاركة الاستماع إلى الموسيقى تزيد من درجة الاستمتاع، كما تعزز من التصرفات الإيثارية. وفي تجارب تعليم الموسيقى الجماعي، كعزف الأوركسترا لدى الأطفال، تزداد القدرة على الإصغاء للآخر، وتنمو مشاعر التعاطف، وتصبح عملية الاندماج الاجتماعي أسهل. فالموسيقى وسيلة فعالة لتعزيز الروابط الإنسانية.
بقلم: آن فان واربيكي، وهيرفيه بلاتيل، وإيمانويل بيجاند