رأى
غزة .. أبدًا لن تركع
ستظل مناظر الجماجم المهشمة، والرءوس الممزقة، والأرجل المبتورة، والأيدى الممزقة، والأمعاء المندلقة لعنة على كل مَن بيده أن يقول لا لإسرائيل ولأمريكا ولم يقلها، ستقض هذه المشاهد المروعة مضاجعهم، ستؤرق نومهم، وتطاردهم فى أحلامهم، سيحكم التاريخ عليهم، وما أشد حكمه.
لقد أجهش مسئول الأنروا فى غزة بالبكاء، ولم يستطع أن يكمل حديثه إلى الجزيرة من هول ما رآه، وبشاعة ما شاهده من مجازر وإبادة جماعية، وهو على غير ملة المسلمين، فقط بكى الرجل، لأنه يملك ضميرا إنسانيا، وحسا مرهفا، وقلبا ينبض دما، إلا أن هناك قلوبا كالحجارة أو أشد قسوة، وتحول الدم فيها إلى ماء.
فخلافا لكل قواعد الدين الإسلامى، ومبادئ جامعة الدول العربية، والأمم المتحدة، ومنظمات حقوق الإنسان، وكل القوانين الدولية المنظمة لكوارث الحروب وأهوالها، وخلافا لكل التشريعات التي نصت عليها الكتب السماوية أو القوانين الوضعية، حدث فى غزة ما لا يخطر على بال بشر، فالعدو الصهيوني لم يتورع أبدا عن قصف مقار الإيواء للنازحين، وقصف المساجد، والمستشفيات، ومحطات توليد الطاقة الكهربائية، وهدم المنازل على رءوس قاطنيها، وتدمير سيارات الإسعاف، وقتل العديد من الصحفيين والمراسلين التابعين لوكالات الأنباء العالمية، وتأتي جريمة قتل الأطفال والنساء وتمزيقهم شر ممزق فى مقدمة جرائم العدو الصهيوني ضد الإنسانية والمدنيين العُزّل من السلاح.
نعم لقد خرق اليهود كل قواعد القانون الدولى والإنسانى على أرض فلسطين السليبة، وعلى أشلاء شهداء الشعب الفلسطينى المغوار المستبسل الذى قدم، ولا يزال، وسيستمر فى بذل الغالى والنفيس، والروح والدم، من أجل تحرير وطنه السليب، من أدران بنى صهيون.
من أهم الدروس والعبر أن القوة العسكرية لن تكون سببا فى الهزيمة، بل وعلى العكس فلقد أثبت المقاومون فى غزة العزة، غزة الأبية، بطولات قل نظيرها، وندر مثيلها، وضربوا المثل الأعلى فى الشجاعة المستبسلة، والمقاومة الباسلة، دفاعا عن أرضهم، وذودا عن كرامتهم، وأحدثوا قتلا وتدميرا وإصابات جسيمة في جنود وآليات العدو الغاصب، الأمر الذى لم يحدث فى كل الحروب العربية منذ 70 عاما.
وقد استهزأ نفر من الإعلاميين أصحاب الوجوه الكالحة، الذين تصهينوا كسادتهم، من صواريخ حماس، وسخروا منها، وقالوا إنها مثل “بمب” العيد. حسنا، لو كان الأمر كذلك، وهذه الصواريخ لا تحدث أثرا، لأنها ليست ذات قوة تدميرية، وإنما هى كتلة من الحديد تقع قى المناطق الخالية من السكان، فلماذا إذن تصر إسرائيل والكيان الصهيونى على تدميرها، ونزع سلاح حماس؟.
إن شهادات الجنود الذين أصيبوا فى هذه الحرب تدل على عكس ذلك، حيث أفادوا بأنهم يحاربون أمام جيش منظم ومدرب تدريبا عاليا، وهم لا يدرون أنهم يحبون الموت حبهم للحياة، وأنهم حريصون على الشهادة فى سبيل الله، كما يحرصون هم على التنعم بملذات الحياة، فهم بين إحدى الحسنيين يختارون مصيرهم، إما النصر والسيادة، أو الجنة والشهادة.
لقد أثبتت الحرب الجهنمية تلك تضعضع الموقف العربى، بل وتفككه وانهيار منظومة الجامعة العربية التى كان من المفترض أن يكون لها دور واضح فى منع العدوان الإسرائيلى، ولكنها صمتت، ونأت بجانب الطريق، لا تلوى على شىء، وغاب أمينها العام تماما عن الساحتين الإعلامية والسياسية.
وثبت أيضا بما لا يدع مجالا للشك والريبة أن العدو الإسرائيلى لا يفهم سوى القوة، والقوة فقط ولا غيرها، فهذا العدو لا يلتزم بعهد، ولا عقد، أو اتفاق، وليس أصدق من الله سبحانه وتعالى فى وصفهم، حين قال: “أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ”، فهذا عهدهم، وهذا ديدنهم، لا يبغون عنه حولا، ولا يرضون به بديلا، بل إنهم تجرءوا على الله عز وجل، حيث حكى سبحانه عنهم “وقالت اليهود يد الله مغلولة غُلت أيديهم ولعنوا بما قالوا”.
أظهرت هذه الحرب أيضا في أحد دروسها العجيبة طبقة جديدة من العرب الشامتين والداعمين بكل صلافة للعدو الإسرائيلى، فأسقطوا أقنعتهم التى كانوا يرتدونها طوال سنوات لتنكشف حقيقتهم البشعة، ولتنطق ألسنتهم كفرا وظلما ومساندة لا نظير لها للعدو الصهيونى، وبانت وجوههم الكالحة، التى سترهقها قترة، وستلفحها جهنم إن شاء الله.
هذه الفئة الضالة المضلة شوهت الحقائق، وكذبت، ثم كذبت، وصدقت كذبها. وبدلا من أن يكونوا عونا لإخوانهم، وسندا لهم، أو حتى أن يلتزموا الصمت، تفوهوا بما لم يقله بنو صهيون، وتشفوا، وفرحوا بما يحدث لأهل غزة، كل ذلك وأكثر.
إن الموقف موقف مفاصلة، فاختر لنفسك طريقا أيها الأخ المسلم، حيثما كنت، هل أنت مع الصهاينة، قتلة الأنبياء، ونقضة العهود، أم أنت مع المسلمين المجاهدين، الذين يردون العدوان، ويذودون عن حياض الإسلام؟.
لقد حاولوا تركيع غزة، ولكنها أبدا لن تركع، ولن تستسلم، مهما يكِد الكائدون، ويتآمر المتآمرون، ويتواطأ المتواطئون.
فالمجد كل المجد، وسحائب الرحمة والرضوان على الشهداء الأبرار، الذين كتبوا بدمائهم الزكية الطاهرة أروع الملاحم، والشفاء العاجل للجرحى والمصابين البواسل، والحرية للأسرى، والعار كل العار للذين تآمروا، وتواطئوا، ودعموا العدو الصهيونى فى حربه ضد الإسلام والمسلمين.