نص الدين الإسلامي على صلة الرحم كمفهوم أساسي، المقصود منه عدم القطيعة بين الأقارب، والحث على زيارتهم والتواصل معهم. ويعرف بعض الفقهاء الصلة: بالوصل، أو عدم القطع، ويكون الوصل بالمعاملة، والزيارة، وبالمال، ونحوها. أما الرحم في الإسلام فهو اسم شامل لكافة الأقارب من غير تفريق بين المحارم أو الأرحام وغيرهم.
السؤال الذي يُحير مجتمع الإسلام، المجتمع المتواد والمتآلف، والمتحاب، والمتعاطف، وأراد الله لأهله أن يكونوا إخوة متحابين، ومتواصلين، فشرع لهم من الشرائع ما يقوي بينهم روابط الأخوة وأواصر المحبة، ومنها أيضا صلة الأرحام التي اندثرت بل قربت على الاختفاء في ظل انتشار أجهزة التواصل الاجتماعي المتمثلة فى الفيسبوك والانستجرام والواتس والماسنجر وخلافه وانقطعت زيارات الأهل والأقارب والأصدقاء إلا القليل.
فأين صلة الرحم من زمن الأجداد والآباء والأمهات الذين كانوا يحكمون العلاقات العائلية والترابط الأسرى بالذوق وجمعوا بين أصول التربية السليمة والأخلاق السوية، وأمهات صالحات صابرات صنعوا مجتمعات تتميز بالذوق والاحترام ورجال صالحين يعرفون معني الكلمة ويوصفون بالشهامة والرجولة.
قديما كان الأب يقول لابنه احترم عمك وخالك وجارك وأستاذك. ويقول لابنته لا ترفعي صوتك على الأكبر منك. فتربت البنات على الأدب واحترام الكبير. وعدم مشاهدة التليفزيون لمدة أسبوع عندما يتوفي أحد من العائلة.
زمان كانت تجتمع العائلة أو الأسرة فى بيت الوالد وبعده الوالدة يوميًا أو أسبوعيًا أو شهريًا على غداء سواء في حياة والديه أو بعد رحيلهم فهذه عبادة.
لو مرض أو تعب فرد فى العائلة تجد السؤال يوميًا على المريض للاطمئنان عليه، ويتواصلون معك فى الفرح والحزن.
صلة الرحم لم تقتصر على تبادل الزيارات فقط وإنما بالاتصال وإرسال الخطابات وحتى عن طريق وسائل التواصل الاجتماعى التى غزت كل بيت ومع كل فرد فى الأسرة وبالطبع هذا لا يمنع من الزيارات العائلية كما كان يحدث فى زمن أجدادنا وآبائنا وأمهاتنا.
أين أنتم يا سادة في هذا الزمان؟
تغيرت النفوس وفُقدت لذة الحياة وجفت القلوب.
ابتعدنا عن بعضنا بعضا وانقطعت صلة الأرحام وأصبحنا في زمن الكل يسعى لحياته الشخصية فقط .. الأخ يتصل بأخوه تليفونيا فى المناسبات بالرغم من قربه من سكن أخيه، التقاعس فى السؤال على الوالدين، وسائل التواصل المختلفة أصبحت بديلة بالزيارات، القلوب أصبحت قاسية والمعاملة مع أقرب الأقربين تحتاج لحذر فى زمن غاب فيه التسامح والرضا بما كتبه الله سبحانه وتعالى.
أصبحنا نشتاق للحياة القديمة فيما نسميه زمن الجيل الجميل الذى تتسم فيه البساطة والحب والمعاملة الحسنة والاحترام المتبادل وتبادل اللقاءات والتهانى فى المناسبات وغير المناسبات والمشاركة فى الأفراح والأطراح والسؤال على الجار كما وصانا الرسول عليه الصلاة والسلام.
وبالرغم التطور التكنولوجي الحديث انعدم الاتصال وأصحبت الخلافات بين الأقارب في الغالب لأسباب دنيوية وأصبحنا غرباء وسط العائلة الواحدة.
يقول ابن القيم رحمه الله: إن القوم ليتواصلون .. فتكثر أموالهم.. ويكثر عددهم .. وإن القوم ليتقاطعون .. فتقل أموالهم .. ويقل عددهم .. وذلك لكثره نصيب هؤلاء من الرحمة .. وقلة نصيب هؤلاء منها .. فصلة الرحم سبب في سعه الرزق .. وطول العمر .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب أن يبسط له في رزقه .. وينسأ له في أثره .. فليصل رحمه .. هنيئا لمن وفقوا إلى أن صلة الرحم ليست نافلة..