رأى
زهرة شوشة تناقش ظاهرة عزوف الشباب فى مصر عن الزواج
زهرة شوشة
شهد المجتمع المصري في السنوات الأخيرة ظاهرة تتمثل في عزوف الشباب عن الزواج. هذه الظاهرة باتت تشكل مصدر قلق للكثيرين، حيث أنها لا تؤثر فقط على الأفراد، بل تتجاوز إلى التأثير على النسيج الاجتماعي بأكمله.
أسباب عزوف الشباب عن الزواج معقدة ومتعددة الأبعاد، وتعود في جوهرها إلى مجموعة من التحديات الاجتماعية والضغوط الاقتصادية المتزايدة. ومن أبرز الأسباب التي تدفع الشباب في مصر للعزوف عن الزواج هي أسباب اقتصادية. فالزواج أصبح مكلفًا بشكل يصعب تحمله على الكثير من الشباب، سواء من ناحية تكاليفه مثل تجهيز الشقة، أو ارتفاع أسعار الذهب والشبكة، أو حتى تكاليف حفلات الزفاف. يضاف إلى ذلك الضغوط المرتبطة بتأمين وظيفة مستقرة توفر دخلًا ثابتًا يكفي لتلبية احتياجات الحياة الزوجية.
المتطلبات المادية المرتبطة بالزواج تضخمت في العقود الأخيرة، وباتت تشكل حاجزًا كبيرًا أمام رغبة الشباب في الاستقرار وتكوين أسرة. فالعديد من الشباب يشعرون بأنهم غير قادرين على مواجهة هذا العبء المالي، ما يدفعهم لتأجيل الزواج أو حتى التفكير في عدم الزواج كليًا. بالإضافة إلى العوامل الاقتصادية، هناك تحديات اجتماعية تسهم في هذه الظاهرة، منها تغير المفاهيم والقيم الاجتماعية المتعلقة بالزواج.
العديد من الشباب اليوم أصبحوا أكثر استقلالية ويرغبون في تحقيق أهداف شخصية مثل التعليم أو بناء مستقبل مهني قبل الالتزام بقرار الزواج. التغيرات في طبيعة العلاقات بين الجنسين، وتأثر الشباب بالعولمة ووسائل التواصل الاجتماعي، أدت إلى تغييرات في نظرتهم للزواج. البعض يرى أن الزواج بات مسئولية كبيرة تفوق طاقتهم النفسية والاجتماعية، بينما يعتبر آخرون أن الزواج قد يقيد حريتهم الشخصية ويعيق طموحاتهم. وبالرغم من الضغوط الحديثة، ما زالت التقاليد والموروثات الاجتماعية تلعب دورا مهما في نظرة المجتمع المصري للزواج. والزواج يعد خطوة ضرورية وأساسية في حياة الإنسان، ويُنظر إلى العزوف عنه كنوع من التمرد على القيم التقليدية. لكن هذا التصور التقليدي قد يكون بدوره سببًا في تفاقم المشكلة، حيث يجد الشباب أنفسهم محاصرين بين الضغوط الاجتماعية التي تدفعهم نحو الزواج، والضغوط الاقتصادية والشخصية التي تجعل الزواج يبدو مستحيلاً.
أحد الأسباب الأخرى التي تدفع بعض الشباب للعزوف عن الزواج هو الخوف من الفشل في الزواج أو مواجهة الطلاق. معدلات الطلاق المرتفعة في مصر تجعل بعض الشباب يشعرون بالخوف من تحمل المسئوليات الزوجية وما يمكن أن يترتب عليها من مشكلات عاطفية ونفسية في حال الفشل. ويشعرون أنهم غير مستعدين لتحمل تلك المسئوليات أو لتكرار تجاربهم الشخصية في أسرهم التي قد تكون عانت من مشاكل زوجية أو تفكك. ومن الواضح أن عزوف الشباب عن الزواج في مصر مسألة معقدة تحتاج إلى حلول شاملة، من الضروري العمل على تخفيف الأعباء الاقتصادية المتعلقة بالزواج، من خلال تقديم تسهيلات في الإسكان ودعم الشباب ماليًا لمواجهة تكاليف الزواج. كما يجب تعزيز الحوار المجتمعي حول مفهوم الزواج وأدواره، بحيث يُتاح للشباب التفاعل مع أفكار أكثر انفتاحًا وتوازنًا. فدعم الشباب نفسيًا وتقديم نماذج إيجابية للزواج الناجح يمكن أن يسهم في تحفيزهم على اتخاذ هذه الخطوة، بدلًا من أن تكون مجرد مسئولية مادية أو مجتمعية.
ختاما فإن عزوف الشباب عن الزواج في مصر يمثل تحديا يتطلب النظر في العوامل المختلفة التي تؤدي إليه. الضغوط الاقتصادية والتغيرات الاجتماعية تلعب دورا كبيرا، ولكن يجب أيضا معالجة المفاهيم الثقافية والمجتمعية التي تجعل الزواج عبئا بدلا من أن يكون شراكة قائمة على الحب والتفاهم. معالجة هذه القضية تتطلب تضافر الجهود بين الحكومة والمجتمع لضمان أن يتمكن الشباب من بناء حياتهم بشكل صحي ومستقر.