مقالات

د. محمد سليمان يكتب: هل يغيّر زهران ممداني وجه السياسة الأمريكية؟

 

بمشهد سياسي أمريكي مضطرب تسيطر عليه الانقسامات الحادة بين الجمهوريين والديمقراطيين، بزغ نجم سياسي شاب من أصول إفريقية آسيوية ليصنع حدثاً تاريخياً غير مسبوق: فوز زهران ممداني برئاسة بلدية نيويورك، ليصبح أول مسلم يتولى هذا المنصب في أكبر المدن الأمريكية وأكثرها تأثيراً، وأصغر من يشغله منذ أكثر من قرن.

فهل يمثل فوزه تحولاً جذرياً في المزاج السياسي الأمريكي، أم أنه مجرّد موجة عابرة من رد الفعل ضد سياسات الرئيس دونالد ترامب؟

akhbarelsaa.com WeaK0qYQ

ولد زهران كوامي ممداني عام 1991 في كمبالا بأوغندا لأسرة مثقفة بارزة، فوالده المفكر محمود ممداني أحد أبرز علماء الاجتماع في أفريقيا، ووالدته ميرا ناير مخرجة عالمية اشتهرت بأفلامها التي تناولت قضايا الهوية والمنفى. انتقلت العائلة إلى الولايات المتحدة حين كان في السابعة من عمره، حيث تربى في مدينة نيويورك، المدينة التي ستصبح لاحقاً ساحة صعوده السياسي المذهل. درس في كلية “بودوين” واهتم بالدراسات الأفريقية، قبل أن يعمل في مجال الإسكان ويخوض تجربة في موسيقى “الهيب هوب”، مما جعله قريباً من قضايا الشباب والطبقات المهمشة.

بدأ ممداني مسيرته السياسية عام 2020 حين فاز بعضوية مجلس ولاية نيويورك ممثلاً عن منطقة كوينز. ومع مرور الوقت، اكتسب شهرة واسعة بفضل خطابه التقدمي، ودفاعه عن حقوق المهاجرين والفقراء، ودعوته إلى عدالة اقتصادية أكثر إنصافاً. وعندما أعلن ترشحه لمنصب عمدة نيويورك عام 2024، كان كثيرون يرونه مغامراً أمام شخصيات مخضرمة مثل الحاكم السابق أندرو كومو. إلا أن حملته المفعمة بالطاقة والحماس نجحت في جذب قاعدة واسعة من الناخبين الشباب والمهاجرين والمسلمين واليساريين، الذين وجدوا فيه وجهاً جديداً يعبّر عن آمالهم في التغيير.

خلال حملته، طرح ممداني برنامجاً اقتصادياً جريئاً ركز على تجميد الإيجارات، وتوفير رعاية أطفال مجانية، ومواصلات عامة بلا مقابل، مع زيادة الضرائب على الأثرياء والشركات الكبرى. ورغم أن هذه الأفكار وُصفت من خصومه بأنها “اشتراكية متطرفة”، فقد لاقت صدى واسعاً لدى الطبقات العاملة والمتوسطة التي تئن تحت وطأة ارتفاع تكاليف المعيشة.

وقد مثّل فوز ممداني في نوفمبر 2025 ضربة رمزية قوية للرئيس ترامب، الذي لم يتردد في وصفه بأنه “شيوعي” وتعهد بقطع التمويل عن نيويورك. غير أن ممداني، في خطاب النصر الذي ألقاه أمام آلاف من أنصاره، رد قائلاً: “فوزنا هو انتصار الأمل على الطغيان.. ونيويورك ستكون منارة الحرية في زمن الظلام السياسي”.

هذا الانتصار لم يكن مجرد فوز شخصي، بل يعكس تحوّلاً في المزاج الأميركي، خاصة بين الشباب الذين باتوا يبحثون عن بدائل أكثر شجاعة وتنوعاً في مواجهة سياسات الانقسام. ومع ذلك، يبقى أمام ممداني تحدٍّ كبير: هل سيتمكن من تنفيذ وعوده في مدينة معقدة كنيويورك، ومن التعامل مع إدارة فيدرالية يقودها خصمٌ معلن له؟

إن صعود زهران ممداني إلى رأس بلدية نيويورك ليس مجرد حدث سياسي، بل علامة على تحوّل اجتماعي وثقافي عميق في الولايات المتحدة، وربما يكون هذا الشاب، الذي جاء من قارة أخرى حاملاً حلم المهاجرين، بداية لحقبة جديدة في السياسة الأميركية، حيث يصبح التنوع والعدالة الاجتماعية ليسا شعارات انتخابية فحسب، بل واقعاً يسعى الأميركيون لتجسيده في مؤسساتهم الكبرى.

ويظل التساؤل الأهم: هل سيكون زهران ممداني رمزاً لولادة أمريكا جديدة أكثر تنوعاً وإنصافاً، أم تجربة استثنائية سرعان ما تتلاشى تحت وطأة السياسة التقليدية؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى