د. أيمن السيسي يكتب: سلاح المقاومة واليأس الأوروبي ونهاية إسرائيل
د. أيمن السيسي
لا يمكن لعربي أو مسلم عاقل أن يوافق على نزع سلاح المقاومة في لبنان أو فلسطين ، وأنا شخصيا كمصري وطني أختلف مع حركة حماس وحزب الله بل و أراهما في المرحلة السابقة -كباحث تاريخ – أنهما كانا وبالا على الأمة العربية منذ اختلاقهما وصنعهما وأضيرت بلادي منهما ،إلا أن المرحلة الحالية تستوجب المحافظة على المقاومة في لبنان وعلى كتائب القسام وأي مقاومة في لبنان وفلسطين وسوريا ، ولا أميل إطلاقا كمحلل وباحث إلى أن إسرائيل ستسطيع تنفيذ مخطط الوهم الذي تحدث عنه نتنياهو بالتوسع وحلم إسرائيل الكبرى ، لأن نتنياهو نفسه غير قادر -بحكم الواقع الداخلي الإنهزامي في إسرائيل ومشكلاته مع المجتمع فيه والعالم – على الاستمرار ، وبحكم أن حليفه “المعلم ” ترامب أيضا غير قابل للاستمرار نتيجة مشكلاته مع الداخل الأمريكي والعالم.
لكن الإعلام الآن أكثر تأثيرا من القدرات العسكرية الإسرائيلية المدعومة أوروبيا وأمريكيا ، فقد أفسحت القنوات التلفزيونية العربية شاشاتها لإسرائيل لنشر مخططها “الوهمي” عن التوسع وإسرائيل الكبرى إضافة إلى بضعة أشخاص تم تمويلهم وتجنيدهم ليخرجوا علينا –كعرافين أو متنبئن- ليرددوا نفس هذا الإدعاء بأن إسرائيل ستتوسع وتقضم أجزاء من أراضى عدد من الدول العربية المجاورة. وتاريخيا ، لو كان هذا الحلم قابلا للتحقق لما أفلتت إسرائيل فى حقبة الثمانينات من تنفيذه وكانت الخلافات أكثر بين الدول العربية. فمصر ينهكها الإرهاب والاقتصاد المتعثر للدرجة التي كانت غير قادرة على تحديث شبكة الصرف الصحي في القاهرة ، وتعاني من طفح متكرر للمجاري ، وأتوبيسات النقل العام تتدلى منها أجساد الركاب المحشورين كتلا ، والرواتب المتدنية وطوابير الشعب أمام الجمعيات الإستهلاكية ممتدة ، والعرب يحاصرونها إقتصاديا وسياسيا وسياحيا ، بعد أن نقلوا الجامعة العربية إلى تونس وجمدوا عضويتها فيها ، والعراق مستغرق في حربه المنهكة والمفتعلة ضد إيران، وحافظ الأسد والقذافي على اختلافهما مع بعضهما يدعمان إيران ضد العراق نكاية في صدام حسين ، وأيضا يدعم القذافي أثيوبيا ضد الصومال العربية في حربها على إقليم أوجادين ، وأسهم في إسقاط الدولة الصومالية وإزاحة الرئيس سياد بري ، والقذافي نفسه أيضا كان يدعم اليمن الجنوبي ضد الشمالي ، وفي لبنان تشتعل الحرب الأهلية التي أحرقت الجميع ودعم القذافي أيضا فيها الجميع ضد الجميع ، وفكانت بواخر السلاح الليبية تتوزع على موانئ طرابلس وجونية وصيدا توزعه على المتحاربون (الشيعة والموارنة والفلسطينيين السنة ومعهم الجبهات القومية والعروبية واليسارية) ويحمل مبعوثيه حقائب الأموال لتوزع على أمراء هذه الحرب القذرة ، وكذلك كان يفعل حافظ الأسد الذي شارك مع الشيعة مرات ومع الموارنة مرات أخرى في ذبح المقاومة الفلسطينية في حروب “المخيمات” و”الجبل” وحصار” تل الزعتر” ، وغيرها من الأحداث.
وكذلك الدور السعودي من خلال سفيره على الشاعر في لبنان ، وكانت أكشاك الملح وممالك و إمارات الوهم في الخليج آنذاك غائبة ، و كانت لاتزال تعاني مرارات وضعف وفقر وجهل قبل أن تستخدم المال الآن لتخريب الدول العربية ، وكذلك غياب موريتانيا والجزائر والمغرب في أزمات حروب الرمال، فلو كان الوهم الإسرائيلي بالتوسع و”إسرائيل الكبرى ” حلما قابلا للتحقق لفعلت في الثمانينات ، خصوصا وكانت قد احتلت بيروت عام 1982، وكانت مصر قد خرجت من معادلة العداء بتوقيع إتفاق “كامب ديفيد” ، فهل يمكنها الآن الإقدام على ذلك وقد قامت مصر بتحديث بنيتها الأساسية وأنجزت مشروعاتها الكبرى وحدثت جيشها بأعلى مستوى وكفاءة على مدى تاريخه الحديث ، وهل تستطيع أن تقدم على فكرة التوسع في أراضي مصر وقد أنهكتها حرب غزة ، وسقطت سمعتها –عالميا – في الوحل ، وتطاردها ورئيس وزرائها لعنات العالم ، بعد أن سقطت إدعاءاتها بالديمقراطية والإنسانية وشراسة العرب حولها ووحشيتهم.
تلك الصورة التي عملت مع الغرب الاستعماري على تشكيلها عبر عقود لتكتشف الشعوب الغربية من أمريكا وأوربا حتى استراليا زيفها ، بل وعكسها بفعل الإعلام البديل “الحديث” وتطبيقات التواصل التي أنفق هذا الغرب نفسه مئات المليارات على إنشائه ونشره عالميا “إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون ﴾ [ الأنفال:” هذا الإعلام المواز للإعلام الذي يتحكم فيه اليهود هو الذي أوضح للعالم حقائق إسرائيل بالصوت والصورة لتخرج حشود المظاهرات ، وآخرها مظاهرة سيدني –استراليا – التي خرج فيها أكثر من ثلاثمائة مواطن استرالي تقودها قيادات برلمانية من حزب “العمال” الحاكم الذي أعلن قبلها أنه سيعترف بدولة فلسطين بعد توالي إعلانات دول عديدة على رأسها فرنسا بنيتها الإعلان عن اعترافها بدولة فلسطين ، وهي الدول التي بدأت الإستعداد لخوض الحرب العالمية الثالثة ضد روسيا ، هذه الدول التي باتت تدرك رفض شعوبها لممارسات قياداتها سواء في دعم إسرائيل أو دعم أوكرانيا ، ولم تستطع سوي إرسال مرتزقة وأسلحة للدولتين ، لأن الوعي الذاتي لدي شبابها أصبح أقوى وأوعى من أن تسيطر علىها الحكومات بعد كل هذا العنف العرقي والإبادة غير المبررة في غزة ولبنان والسودان وليبيا واليمن ، والأخطاء التراكمية غير المقبول استمرارها التي ارتكبتها قيادات هذه الدول في حق الإنسانية.
ومؤشر ذلك تقرير الأمم المتحدة عن التجويع العمدي الذي تمارسه إسرائيل في غزة وأنه يمثل حرب إبادة ، وهنا يمكن لي –بكثير من الإطئنان– أن أرى أن هذه القيادات على الساحة الدولية سقطوا أخلاقيا وسيسقطون قبل نهاية العام القادم ، ولم يعد من المقبول استمرارهم لأنهم شاركوا في صنع المجازر والمشاكل ، ومن صنع المشكلة لا يمكن أن يكون سببا في حلها وأولهم نتنياهو الذي أحال حياة شعبه إلى جحيم من الخوف والهزائم النفسية ، وخرب إقتصادهم –رغم الدعم المستمر أمريكيا وأوربيا- ففر أكثر من 400 ألف مواطن إلى بلادهم الأصلية فرارا نهائيا ، ومع استمرار الهلع خصوصا بعد عمليات القسام الأخير ، وإعلان حزب الله رفضه قرار تسليم سلاحه ، ليستمر مسلسل الهروب بعد غلق الكثير من الإسرائيليين شركاتهم ومكاتبهم لأنهم أصبحوا يفتقدون الأفق والأمن، فأصبح الآن في مرحلة الإنتحار، لأن كل ما أقدم عليه يجره إلى مستنقع “السعار” فلم يعد مقبولا أن يستمر ولا حلمه أن يتحقق، وكذلك ترامب الذي مارس نفس ممارسات نتنياهو ، فتصرف بعدائية شديدة تجاه الدول في الخارج وتجاه مؤسساته في الداخل وحوَّل أمريكا من دولة مهيمنة ومسيطرة إلى دولة وظيفية ، فازدادت الرغبة في التخلص منه – وسيحدث قريبا – خصوصا أن مؤسساته والنخبة المفكرة في أمريكا ترى الصين تكسب المزيد من التواجد والتمكين الاستراتيجي والاقتصادي في أنحاء العالم ، وتنتج أدوات الحرب الأكثر خطورة من الطائرات الذكية ذاتية القدرة على الاختباء والتشويش والدبابات البرمائية والغواصات والجنود الآليين “الربوتات” ، واقتصاديا تزداد إنتشارا –شركة سيارات BYD وحدها صدرت العام الماضي 3 مليون سيارة كهربائية ، مقابل أزمات اقتصادية وتضخم وديون في أوروبا وأمريكا – ديون أمريكا 37 تريليون دولار -.
وبدأت تظهر للشعوب ضغوط ترامب غير المنطقية على حلفائه ، مما أوقعهم في ورطات كبيرة اقتصاديا وسياسيا ، وقد بدأت أوروبا في التحسب لتوسع حرب أوكرانيا على أراضيها وهي الموطن التقليدي لبدء الحروب الكبرى ، وستترك إسرائيل وحيدة تواجه مصيرها الذي سيورطها فيه نتنياهو إن شعر باقتراب الرحيل وهو آت لا محالة وقريبا ، وهنا قد يقدم على تهور مع مصر في محاولة يائسة لإنقاذ أو إنفاذ “وهمه” لتكون أزمة “إسرائيل الكبرى” ونهايتها ، وقد كتبت قبلا أن الشعب الإسرائيلي سيكون وقتئذ أسير قدرات الجيش المصري وذراعه الطويلة، وستكون إسرائيل فريسة للجيش المصري.