د. آية الهنداوي تكتب: مصر وفلسطين .. من خندق المقاومة إلى مرمى التشويه الإسرائيلي
منذ نشأة الكيان الصهيوني كانت مصر العقبة الكبرى أمام تمدده وأحلامه التوسعية. لم يكن ذلك مجرد موقف سياسي عابر، بل حقيقة راسخة في تاريخ الصراع العربي ــ الإسرائيلي. مصر كانت وما زالت الحصن المنيع للقضية الفلسطينية، تدافع عنها في الميادين السياسية والعسكرية وتتحمل كلفة المواقف الصلبة التي لا تساوم على الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني.
لكن إسرائيل التي تدرك تمامًا أن نجاح مخططاتها مرهون بإضعاف الدور المصري، فقد لجأت إلى سلاح آخر أكثر خبثاً وهو حرب التشويه الإعلامي الممنهج. هذه الحرب لم تبدأ اليوم، بل هي امتداد لإستراتيجية قديمة هدفها تقويض صورة مصر أمام العالم العربي والمجتمع الدولي
وخلق فجوة بين القاهرة والشارع الفلسطيني.
وأشير هنا إلى أهم الأسلحة الإعلامية التي تستخدمها إسرائيل لتشويه صورة مصر والنيل من دورها الداعم لفلسطين، ومنها:
1. التحريف المتعمد للحقائق: نشر روايات كاذبة تزعم تقاعس مصر عن نصرة غزة، متجاهلين الحقائق الميدانية والدبلوماسية التي تثبت العكس.
2. الهجوم على المعابر: في كل جولة تصعيد يتحول فتح أو إغلاق معبر رفح إلى مادة للدعاية الإسرائيلية، متعمدة إخفاء أن المعبر هو شريان الحياة الوحيد الذي أبقته مصر مفتوحًا رغم القصف والضغوط الدولية.
3. التسريبات الموجهة: بث أخبار مزيفة عبر منصات إعلامية مرتبطة بالموساد تزعم وجود تفاهمات سرية بين مصر وتل أبيب على حساب القضية الفلسطينية، في محاولة لإثارة الغضب الشعبي ضد القاهرة.
4. استغلال منصات التواصل: ضخ آلاف الحسابات الوهمية والممولّة، التي تكرر نفس الرسائل التشويهية وتهاجم الموقف المصري في أوقات الأزمات.
وأدرك تمامًا أن مصر دفعت عبر تاريخها ثمنًا باهظًا أكثر من مرة نتيجة تمسكها بمواقفها القومية وانحيازها الثابت لفلسطين.
ففي عدوان 1956، كانت قناة السويس أحد أهداف الإحتلال البريطاني–الفرنسي–الإسرائيلي، كرد مباشر على دعم مصر لحركات التحرر. وفي حرب 1973 أعادت القاهرة رسم خريطة الصراع وأثبتت أن الإحتلال ليس قدرًا محتومًا. واليوم، تستمر في لعب دور الوسيط القوي الذي يفرض شروطه على طاولة المفاوضات، وهو ما يزعج إسرائيل ويدفعها لتكثيف هجماتها الإعلامية.
هذه الحملات ليست مجرد “انتقادات سياسية”، بل جزء من حرب شاملة تستهدف كسر الروح المعنوية المصرية والعربية. فإسرائيل تدرك أن بقاء مصر قوية وفاعلة يعني استمرار التوازن الإقليمي، وغيابها عن المعادلة يعني فتح الباب لفرض واقع الإحتلال دون مقاومة مؤثرة.
ومع اشتداد العدوان على غزة، ارتفعت وتيرة هذه الحرب الإعلامية. لكن ما تغفله إسرائيل أن الوعي العربي والفلسطيني ليس ساذجًا، وأن الشعوب تعرف جيدًا من يقف في خندقها ومن يتاجر بقضيتها.
ومصر لم تكن وسيطًا محايدًا فحسب، بل كانت دائمًا طرفًا منحازًا للحق، ولو كرهت تل أبيب.
وختاماً ، أوكد أنه مهما ضخّت إسرائيل من الأكاذيب ستبقى مصر في ذاكرة الفلسطينيين والعرب رمزًا للدعم والمقاومة، وستظل كل حملات التشويه المسمومة عاجزة عن محو عقود من الدماء والتضحيات. فالتاريخ لا يكتبه الإعلام المأجور، بل تصنعه المواقف، وفي سجل المواقف ستظل مصر في الصف الأول دفاعًا عن فلسطين.
مدرس الدراسات اليهودية – كلية الآداب – جامعة المنصورة.