خيال بلا حراك !

خالد
حسن النقيب
قد لا
يستطيع الإنسان فى لحظة فارقة من حياته أن يتوافق مع ما يعجزه حتى عن التنفس يرجو الموت
راحة مما هو فيه و لا يبلغه و تسير به الدنيا سيرتها ميتا على قيد الحياة .. !
تلك
مأساتى مع نفسى و من حولى فأنا بعد لم أتجاوز عقدى الخامس بعد و لكن المرض استقر جسدى
و أقعدنى فى الفراش عاجزا عن العمل و الحركة الطبيعية و فى ذلك قدر محتوم أعيه يقينا
و احتسابا لا أضيق به و لكنى بت ثقيلا على من حولى، أعرف أنهم يحبونى و يبرونى أبناء
و زوجة و لا أنكر عليهم شيئا غير أنى مثقل بروح
أتعاطى معها الحياة متجمدا بلا حراك، أقضى حاجتى محمولا و تتمرد على روحى أنا
من كنت أجوب الأرض شرقا و غربا، أسابق الريح لا تصل إلى رياضيا حتى أنى حصلت على بعض
البطولات الرياضية فى فترة الجامعة، لم يكن طموحى يقف عند حد من التوقع أو التوقف عند
شئ و الاكتفاء به، حققت نجاحا فى عملى مهندسا معماريا أمتلك ناصية الفن فى وضع رسومات
معمارية أراها صروحا مجسمة أقوم على تنفيذها فى شركة المقاولات التى أعمل بها تعلو
طابقا تلو الآخر و أعلو معها حتى أقف على قمتها مزهوا بصرح كان خيالا على الورق بات
واقعا شامخا، ذلك الواقع الذى تهاوى بعد رحلة طويلة من الشقاء و الحلم و العزيمة و
بعد أن كنت شامخا، طامحا، مزهوا بخيالاتى قابلة التنفيذ و التحقيق لم يتبقى لى إلا
خيالا يرقد على فراش تلقفنى مريضا بلا حراك أنظر بإشفاق إلى أولادى و هم يتناوبون على
رعايتى و حملا ثقيلا ما وددت أن أكون عليه و تمنيت الرحيل و أنا مازلت واقفا على قدمين
يعفرهما تراب السكك و لكن ما باليد حيلة .
اكتب
إليك لا يائس و لا ناقم على ما أنا فيه و لكن لأعرف إن كنت مخطئا فى تمنى الموت لتنتهى
معه مأساتى و يرتاح أولادى من ثقل عجزى ؟
أيضا
هل يمكن للأمل أن تستضئ النفس به فى ظل إخفاق الطب فى الوصول إلى علاجات ناجزة ؟و إذا
القدر أحكم إرادته هل لى أن أطمع فى رحمة ربى أن يلحقنى به راضيا مرضيا فى زمرة عباده
من أهل الجنة ؟
م .
ن
ترفق
بحالك يا أخى وما أنت إلا فى محنة و اختبار عظيم لعلك تجتازه صبرا و يقينا بما فى
قلبك من مسحة إيمانية لا تفقدك الأمل فى الله و قدرته على شفائك شفاء لا يغادر
سقما فاصبر و احتسب و اسعد بأن الله سبحانه و تعالى رزقك إحدى نعمتى الدنيا و
زينتها البنون متمثلين فى أبنائك كونهم الولد الصالح الذى يبر أباه حيا و يدعو له
ميتا و ثق أنك لا تمثل ثقلا عليهم أيما كانت علتك و تداعيات العجز فى صحتك ففى هذا
صفقة رابحة مع الله عز و جل تمنحهم فرصة عظيمة لرضوان الله و الفوز بنعيم جنته .
تذكر
يا أخى قول الله تعالى فى سورة الإسراء (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا
إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا
أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا
كَرِيمًاوَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ
الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)
صدق الله العظيم و من هنا تدرك أن الأب كقيمة حياتية هو أول من حمل رسالته فى
الدنيا رعاية و تنشئة لأولاده حتى شبو على الطريق فاستحق عليهم رعاية آبائهم فى
كبرهم و عجزهم و أحسب أن أولادك من هؤلاء الأبناء البررة أما أمر تمنى الموت فهذا
أمر لا يرضى الله و يستدعى غضبه غضبا شديدا فلا توقع نفسك يا أخى فى مدارك غضب
الله و اجعل من آلامك صبرا و احتسابا طوق نجاة لك فى الآخرة تبلغ به مصاف الرحمة و
المغفرة فما من شوكة أصابت إنسانا و تألم لها إلا و قد أثابه الله عنها خير الثواب
.







