مقالات

جنوب السودان: هل كان الانفصال خطأً تاريخيًا؟

akhbarelsaa.com dL097an8

 

 

 

 

 

 

 

يمثل جنوب السودان حالة فريدة في التاريخ السياسي الإفريقي المعاصر، فهو الدولة الأحدث ميلادًا في القارة بعد استقلاله عام 2011، غير أن التجربة التي عشت لحظة الاحتفال بها مع اهلنا بجنوب السودان، كان يُفترض أن تفتح الباب أمام التنمية والاستقرار، تحولت سريعًا إلى نموذج للأزمات المتراكمة.
هذا يطرح سؤالًا جوهريًا في حقل الدراسات السياسية: هل كان الانفصال خيارًا صائبًا، أم خطأً تاريخيًا؟

من منظور نظريات بناء الدولة،
ورغم توافر شروط قيام الدولة في جنوب السودان من أرض محددة وشعب مقيم واعتراف دولي، فإن الحكومة تعاني من الانقسام، والصراعات، و يعيش الشعب في أزمات داخلية وانقسامات، ويفتقر جنوب السودان إلى الشرط الأساسي لقيام دولة حديثة،بمؤسسات فاعلة، وجيش وطني موحد،ونظام سياسي قادر على إدارة التنوع العرقي.
فقد أدى الصراع بين الرئيس سلفا كير ونائبه رياك مشار منذ 2013 إلى انزلاق البلاد في حرب أهلية اتخذت أبعادًا إثنية، خصوصًا بين قبيلتي الدينكا والنوير. وعلى الرغم من توقيع اتفاق سلام عام 2018، فإن غياب الإرادة السياسية وانعدام الثقة جعل التنفيذ متعثرًا.

اقتصاديًا، يعكس جنوب السودان ما يسميه الباحثون بـ”لعنة الموارد” فبدلًا من أن تسهم الثروات النفطية في التنمية، أصبحت مصدرًا للصراع، في ظل غياب الشفافية وانتشار الفساد، ومع اعتماد البلاد على صادرات النفط عبر الشمال، أصبح الصراع في السودان نفسه عاملًا إضافيًا لتأزيم الوضع، حيث تعطلت أنابيب التصدير أكثر من مرة، مما أدى إلى انهيار العملة المحلية وارتفاع مستويات الفقر.

كما أن التجزئة الإثنية تعد واحدة من أبرز تحديات جنوب السودان. فالنظام السياسي لم يتمكن من إدارة التنوع الإثني عبر آليات ديمقراطية أو اتحادية، بل ظل قائمًا على المحاصصة والولاءات القبلية،هذا ما جعل العنف وسيلة رئيسية لتسوية الخلافات، وأضعف فرص تكوين هوية وطنية جامعة.

إقليميًا، ساهمت تدخلات الدول المجاورة في تعقيد الأزمة، واستخدمت الملف الجنوبي لتحقيق مكاسب جيوسياسية، ما جعل الدولة الوليدة ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية، أما على المستوى الدولي، فإن تدخل القوى الكبرى لم ينجح سوى في فرض هدنات مؤقتة، دون تقديم حلول جذرية.

وعليه، يمكن القول إن الانفصال، من زاوية أكاديمية، لم يكن بالضرورة خطأً بحد ذاته، بل كان قرارًا غير مكتمل الأركان، فالمشكلة لم تكمن في الاستقلال، وإنما في غياب مشروع وطني جامع لإدارة الدولة بعد الاستقلال،وهذا ما يتفق مع مقاربات نظرية ترى أن الدولة تفشل حين تعجز عن تحويل الاستقلال السياسي إلى عقد اجتماعي شامل.

والنتيجة أن جنوب السودان يقف اليوم أمام مفترق طرق: إما الاستمرار في دوامة العنف بما يهدد بانهيار الدولة، أو الشروع في إصلاحات سياسية واقتصادية جذرية تعيد بناء الثقة بين المكونات الإثنية، وتفتح الباب أمام تنمية حقيقية.

ليبقى التساؤل مفتوحًا: هل سيعيد التاريخ تقييم تجربة الانفصال كخطأٍ استراتيجي، أم كتجربة مريرة يمكن أن تتحول إلى نقطة انطلاق لبناء دولة حديثة في قلب إفريقيا؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى