ثورة الضباط الأحرار .. ذكرى 71 عامًا على ثورة 23 يوليو

فى الذكرى الحادية والسبعون على ثورة يوليو التى قام بها مجموعة من الضباط الأحرار ضد الملكية الفاسدة، وأيدها شعب يتطلع إلى حريته، ثورة أقضت مضاجع الاستعمار، وأنهت حقبة من الزمن كان للمستعمر اليد الطولى فيها، فكان العالم ينقسم إلى مستعمرين إنجليزى وفرنسى، فجاءت ثورة يوليو لتقضى عليهما، وحلت محل قوى الاستعمار التقليدى قوتان أخريان، الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتى، وأصبحت القاهرة عاصمة التحرر فى العالم، ولم تعد مصر مستكينة خاضعة ذليلة كما كانت فى عهد الملكية، أمرها لم يكن بيدها، وإنما كان بيد المحتل الإنجليزى، وإذا عدنا لما حدث فى 4 فبراير 1942، عندما حاصرت قوات الاحتلال قصر عابدين، وطلب السفير البريطانى وقتها مايلز لامبسون من الملك فاروق تعيين مصطفى النحاس بتشكيل الحكومة وإلا فإنه سيتنازل عن العرش، فكان المحتل هو الحاكم، أما الشعب فهو المحكوم، لكن بعد ثورة 23 يوليو، ، فقد استردت مصر كرامتها وعزتها، وتحدت قوى الاستعمار، وأصبحت قوة لا يستهان بها، وإذا خطب الرئيس جمال عبدالناصر فى الأمة، فكان يستمع إليه بانتباه رؤساء دول العالم، ورؤساء وزارات الغرب، والحكومات فى آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية. 
وقد يعترض البعض على سياسات عبدالناصر، وكيف أنه أدخل مصر فى أتون معارك ليست مؤهلة لها، كحرب اليمن مثلا، وانعدام الديمقراطية الحقة وغياب حرية الرأى والصحافة فى عهده، وعدم وجود أحزاب، ونكسة يونيو 1967، وانهيار الاقتصاد المصرى عقب النكسة، ما أثقل مصر بالديون، لكن الإنسان المنصف الذى ليس له هوى سيرى أن لكل هذه الاعتراضات وغيرها لها إجابة وافية شافية، فمن قال إن الاقتصاد انهار بعد النكسة؟! إن مصر سددت سنة 1968 مائتين وعشرة ملايين جنيه إسترلينى من جملة الديون التى عليها، كما زادت قيمة الإنتاج الصناعى فى السنة نفسها “أى 1968” إلى 133 مليون جنيه مصرى، بعد أن سجلت 125 مليون جنيه فى السنة التى كانت قبل النكسة، كما أعلن وزير المالية آنذاك عبدالعزيز حجازى أن القطاع العام حقق أرباحا أتاحت للبلاد الفرصة لتنجح فى التغلب على مصاعب وقت الحرب، فى وقت فقدت فيه مصر موارد قناة السويس وإيرادات السياحة وفقدت سيناء بثرواتها الطبيعية وفقدت معداتها العسكرية ما يعنى أن عليها تعويض هذه المعدات بشرائها مرة أخرى ما يكلف خزينة الدولة أموالا طائلة، وأذكر أنى قرأت مقالا للدكتور جلال أمين عن التضخم، فى كتابه “وصف مصر فى نهاية القرن العشرين”، وفيه يرد على من يزعم أن حرب 1967 هى السبب فى التضخم الذى عاشته مصر بعد ذلك، فيقول:”وليس صحيحا، كما يقال أحيانا، أن التضخم فى مصر يرجع إلى أعباء الحروب والتسلح، فالفترة التى شهدت ثلاث حروب، حرب 1967 وحرب الاستنزاف 1969 وحرب أكتوبر 1973 كان ارتفاع الأسعار فيها أقل بكثير منه فى السنوات العشرالتى أعقبت توقيع اتفاقية السلام فى 1979″، كما تحدث بعدها مباشرة عن أن الزيادة السكانية ليست السبب فى التضخم.
أما عن لجوء عبدالناصر إلى الاقتراض من الخارج فيراه الدكتور جلال أمين مبررا ومطلوبا، فيقول فى كتابه “قصة الاقتصاد المصرى”:”لا أظن أن أحدا يمكن أن يجادل فى أن قروض عبدالناصر المدنية قد وجهت بكاملها تقريبا لزيادة القدرة الإنتاجية، فقروضه من الكتلة الشرقية ذهبت إما لتمويل مشروعات صناعية أو لتمويل السد العالى”، فالقروض التى لجأ إليها عبدالناصر كانت ضرورية وأنفقت فى محلها، تخيل لو أن عبدالناصر اقترض من أجل بناء عاصمة جديدة فى الصحراء ليست مصر فى حاجة إليها، فماذا سيكون رد الفعل؟! وبهذه المناسبة يذكر جلال أمين فى كتابه سالف الذكر أن ديون مصر وقت وفاة عبدالناصر (28 سبتمبر 1970) بلغت مليارا وسبعمائة مليون دولار، وبلغت عقب مقتل السادات (6 أكتوبر 1981) 14.3 مليار دولار، أى أنها زادت نحو ثمانى مرات تقريبا، على الرغم من أن الجميع كان يحارب عبدالناصر، ويريد استئصال تجربته، وإقبال الجميع على السادات، فها هو يقيم صلحا منفردا مع العدو اللدود، وترضى عنه أمريكا، وتساعده وتمده بما يحتاج إليه، وانفتح على العالم الغربى انفتاحا أضر بمصر كثيرا..
لقد كان عبدالناصر مؤمنا أشد الإيمان بالإنسان المصرى، ولا غرو فى ذلك فهو القائل:”ارفع رأسك يا أخى فقد مضى عهد الاستبداد”، يعمل على رفعة هذا الإنسان، ليشعره بأنه مواطن من الدرجة الأولى وليس فرزا ثالثا كما كان الاستعمار يصور ذلك، نعم أخطأت الثورة فى بعض الأمور، وهنا يمكن الرد بأنه ما من ثورة إلا كان لها عيوب ومثالب، وهذه كانت ثورة بيضاء، لم ترق فيها الدماء، ثورة سلمية لم تعدم الملك ولا أسرته، كما فعلت باقى الثورات، ألا نتذكر ما حدث لقيصر روسيا وأسرته؟ ومن المؤكد أن ثورة 23 يوليو لها أخطاء قد تكون جسيمة، وعلى رأسها هزيمة 1967، لكنها استطاعت أن تتغلب على كثيرا من هذه الأخطاء، كما أنها أخذت على عاتقها إزالة آثار العدوان، ولو أن القدر أمهل عبدالناصر قليلا لاستطاع أن يحرر الأرض العربية التى استولى عليها العدو الغاشم، وهذا الفريق الشهيد عبدالمنعم رياض يقول:”إذا لم نقاتل فسيتحول رجالنا إلى عبيد ونساؤنا إلى عاهرات”، ويذكر الفريق أول محمد فوزى أن عبدالناصر صدَّق على الخطة التى عرفت باسم “الخطة الدفاعية 200” فى ديسمبر 1968 لاسترداد الأرض العربية، وكان عبدالناصر وضع مدة أربع سنوات كحد أقصى لاستردادها أى فى منتصف 1971.
بعد موت عبدالناصر وتحديدا سنة 1974، بدأت الأقلام تتناوشه بإيحاء من الرئيس السادات، فكانت هناك حملة ضارية على الرجل وهو فى قبره بين يدى ربه، كانت الحملة فى الأساس لهدم سياسة عبدالناصر، ولا بأس من الطعن فى شخصه وتشويه صورته، كانت الحملة لجعل مصر تتجه إلى الغرب وأمريكا تحديدا والارتماء فى أحضانهم بحجة أن قواعد اللعبة بيدها، ويبدى السادات ارتياحا لفيلم “الكرنك”، رغم أنه كان محسوبا على نظام عبدالناصر، وعلى هذا فإن ما يطول عبدالناصر يطول بالضرورة السادات، ورغم أن أعظم أعمال نجيب محفوظ الأدبية كانت فى عهد ثورة يوليو، ففيها انتهى من الثلاثية، وأولاد حارتنا، واللص والكلاب، والشحاذ، وميراما، وثرثرة فوق النيل وغيرها، فلو كان هناك استبداد لما نشر مثل هذه الأعمال الخالدة
وأخيرا رثى عبدالحليم نصر الزعيم عبدالناصر قائلا:
زحف الشعب هلوعا، والأسـى يحـدو خطاه
من دعـاه؟ ما دهـاه؟
صرخـة الأحـزان فى كل اتجاه
لوعة اليتم على كل الجبـاه
إنه مات فتاه الذى جمـل للناس الحياة
إنه شيع أغلى ما ارتجـاه
ورأى ما كان يخشـى أن يراه
يا أبا الثوار فـى كل مسيرةْ
رائد الأحـرار فى الدنيا الكبيـرةْ
باعث العـزة فى النفس الكسيرةْ
أنت قـد علمتنا ألا نهونـا
إن ما ترضـاه ألا نستكينا
نحن كفكفنا الدمـوعا
نحن وحدنا الجمـوعا
نحن أغلقنا على الحـزن الضلوعا
ومشينا فى طـريقك
أنت يا نور الطـريق
ومباديك لنا خيـر رفيق
لم تمت إنا نـراك .
فى الذى صـاغت يداك
تلك آثار خطـاك
فى المصـانع
فى المـواقع
فى السـدود
فى المعـاهد
فى المعـابد
فى ربـى الوادى الجديـد
انظروا هذا الجمـال !
إنه صنـع جمال
سوف يبقـى كل هذا ويزيد
كل ما أسست باق ومجيـد
سترانا حيثما كنت تريـد
ولك الذكر الحـميد
ولك الرضـوان فى دار الخلود
 
				 
					


