تركيا وحلف الناتو: مستقبل غامض بين الشراكة والقطيعة
د. على أحمد جاد
أستاذ العلوم السياسية
منذ انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) عام 1952، شكلت تركيا أحد الأعمدة الاستراتيجية للتحالف الغربي، بفضل موقعها الجيوسياسي الفريد الذي يربط أوروبا بالشرق الأوسط ويطل على البحر الأسود والبحر المتوسط، غير أن السنوات الأخيرة حملت مؤشرات متزايدة على وجود فجوة بين أنقرة وبقية الحلف، مما يثير تساؤلات جدية حول مستقبل العلاقة بينهما فهل تبقى تركيا شريكاً أساسياً، أم أن ارتباطها بالناتو يقترب من الانهيار؟
لقد ارتبطت تركيا تاريخياً بالناتو باعتباره مظلة أمنية في مواجهة الاتحاد السوفيتي سابقاً وروسيا حالياً، لكن مع تغير أولويات أنقرة، بات التحالف أقرب إلى تحالف الضرورة الذي يحكمه الواقع أكثر من الالتزام القيمي، فقد أظهرت تركيا في السنوات الأخيرة ميلاً أكبر للاستقلالية في سياستها الدفاعية، مثل شراء منظومة الصواريخ الروسية S-400، وهو ما أثار خلافات حادة مع واشنطن وبروكسل.
كما أن الملف السوري تتباين فيه الرؤى بين أنقرة وبقية أعضاء الناتو حول مستقبل سوريا، خاصة فيما يتعلق بالأكراد ودور الولايات المتحدة هناك.
وكذلك العلاقات مع روسيا، ففي الوقت الذي يرى فيه الناتو روسيا خصماً استراتيجياً، تحافظ تركيا على قنوات تعاون مهمة مع موسكو في مجالات الطاقة والدفاع.
وأيضاً الموقف من أوروبا فلا تزال العلاقة بين أنقرة والاتحاد الأوروبي مشوبة بالتوتر، ما ينعكس على داخل الناتو باعتباره إطاراً جامعاً للدول الغربية.
ورغم التوتر يصعب الاستغناء عن تركيا داخل الناتو لاعتبارات عديدة منها:
• موقعها الجغرافي الحاسم للسيطرة على البحر الأسود والشرق الأوسط.
• ثاني أكبر جيش في الحلف بعد الولايات المتحدة الأمريكية.
• دورها كجسر للطاقة بين روسيا وأوروبا.
وهذا يدعونا إلى النظر في مستقبل العلاقة بينهما هل هى شراكة مرنة أم انفصال محتمل؟
والمعطيات الراهنة تشير إلى أن خروج تركيا من الناتو غير مرجح في المدى المنظور، إذ يدرك الطرفان أن الخسارة ستكون متبادلة، فالناتو يحتاج إلى أنقرة كقوة إقليمية، فيما تحتاج تركيا إلى مظلة الحلف لتجنب العزلة الدولية، ولكن المرجح أن العلاقة ستتجه نحو الشراكة المرنة، حيث تحتفظ تركيا بعضويتها دون التزام كامل بالسياسات الغربية، بل تحتفظ بمساحة من المناورة تسمح لها بالتحرك وفق مصالحها الخاصة.
ويبقى السؤال: هل ينهار ارتباط تركيا بالناتو؟
والإجابة الأقرب هي أن العلاقة لن تنهار لكنها ستبقى متوترة، فتركيا لن تخرج من الحلف لكنها أيضاً لن تذوب في سياساته ، فالمستقبل إذن ليس تفككاً بقدر ما هو إعادة تعريف لدور أنقرة داخل حلف الناتو، بما يجعلها شريكاً مختلفاً أكثر من كونها عضواً منضبطاً.
