المياه والصرف الصحي .. حق من حقوق الإنسان
يمثل الماء تحديًا رئيسيًا للمجتمعات، فهو أثمن مورد لدى الإنسان، وهو الأساس لحياة الناس، ولإنتاج الغذاء، وتعزيز الاقتصادات، ودعم النظم البيئية. ولتحقيق عالم خال من الفقر على كوكب صالح للعيش فيه، نحتاج إلى إحداث تحول في كيفية استخدامنا للموارد المائية وإدارتها. فالحق في المياه ليس حلمًا طوباويًا، بل التزامًا عالميًا يمس الكرامة الإنسانية ويشكل أساسًا للتنمية المستدامة. وبعد مرور خمسة عشر عامًا على الاعتراف بالمياه والصرف الصحي كحقوق إنسانية، فقد آن الأوان للانتقال من مرحلة الاعتراف إلى مرحلة التفعيل.
ترجمته عن الفرنسية:
يسرا محمد مسعود
في الثامن والعشرين من يوليو عام 2010، وبمبادرة من بوليفيا ورئيسها إيفو موراليس، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا تاريخيًا يعترف للمرة الأولى بالحق الأساسي في الحصول على مياه الشرب وخدمات الصرف الصحي. وقد شكل هذا الاعتراف إنجازًا رمزيًا وسياسيًا كبيرًا لمليارات الأشخاص المحرومين من هذه الخدمات الأساسية. إلا أنه، وعلى الرغم من هذا التقدم، لا يزال هذا الحق وعدًا لم يتحقق فعليًا.
الاعتراف القانوني وتأثيراته الهيكلية
شكّل قرار الأمم المتحدة نقطة تحول في سياسات التنمية العالمية، ما أدى إلى اعتماد هدف التنمية المستدامة (SDG) عام 2015، والرامي إلى ضمان حصول الجميع على مياه الشرب والصرف الصحي والنظافة العامة. وقد كان لهذا القرار آثار كبيرة، لا على البلدان النامية فحسب، بل أيضًا على الدول المتقدمة. ففي عام 2020، اعتمدت المفوضية الأوروبية مراجعة طموحة لتوجيهات مياه الشرب، تتضمن صراحة الحق في الوصول إلى المياه كمبدأ من مبادئ العدالة الاجتماعية. وفي فرنسا، مهد القرار الطريق أمام تجارب التسعير الاجتماعي منذ عام 2019، حيث أصبحت السلطات العامة مسؤولة عن ضمان حصول الجميع على المياه – وهو تحدٍ لا يزال قائمًا، لا سيما بالنسبة للفئات الأكثر هشاشة وبعض المناطق، خاصة في الأقاليم الخارجية.
ورغم التقدم الملحوظ خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، والذي أدى إلى تحسين حياة مئات الملايين، فإن وتيرة هذه التحسينات لا تزال بطيئة مقارنة بحجم التحديات والنمو السكاني المتسارع. إذ لا يزال نحو واحد من كل أربعة أشخاص في العالم يفتقر إلى مياه شرب مُدارة بشكل آمن، بينما يُحرم نحو نصف سكان العالم من خدمات صرف صحي مأمونة. ويظل الوصول إلى المياه يعاني من تفاوتات حادة على المستويات الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية. كما تؤدي التغيرات المناخية، والتوترات الجيوسياسية، والنمو الحضري السريع، إلى تفاقم أزمة المياه، مما يهدد التمتع الفعلي بهذا الحق. لقد حان الوقت للاعتراف بأن الاعتراف القانوني وحده غير كافٍ: لن يصبح الحق في الماء فعالًا إلا بتعبئة وسائل دعم حقيقية.
ثلاثة متطلبات لتفعيل هذا الحق
1– تعبئة سياسية رفيعة المستوى لزيادة التمويل العام:
يتطلب تحسين وتوسيع خدمات المياه والصرف الصحي استثمارات ضخمة، في وقت يشهد فيه التمويل العام ركودًا – بل وتراجعًا في بعض السياقات. لذا يجب أن يشكل تفعيل الحق في المياه أولوية سياسية على أعلى المستويات الوطنية والدولية، من خلال تخصيص موارد مالية أكبر، وسن أطر تشريعية مستقرة ومحفزة تكرّس العدالة الاجتماعية.
2- تعزيز دور بنوك التنمية العامة:
على بنوك التنمية العامة، وخاصة البنوك الوطنية، الانخراط الكامل في هذا المسعى. فهي تمتلك الأدوات والخبرة والقدرة على العمل على المدى الطويل، في حين يعاني القطاع الخاص من محدودية التدخل في هذا المجال. يمكن لهذه البنوك دعم التمويل المشترك، وتعبئة الموارد المُيسّرة، والمساهمة في الإصلاحات القطاعية، ودعم المشغلين المحليين. ومن خلال مواءمة استراتيجياتها مع أهداف التنمية المستدامة، يمكنها المساهمة في تقليص الفجوات وتعزيز الوصول الشامل.
3- تحسين أداء المشغلين على المستوى الهيكلي:
يتطلب تحقيق الحق في المياه وجود خدمات عامة قوية وفعالة قادرة على ضمان الجودة والاستمرارية والشمول. ويعني ذلك دعمًا فاعلًا لعملية الاحتراف المهني للمشغلين، وتحسين الكفاءة وتكاليف التشغيل، والحد من الخسائر، وتعزيز الشفافية. كما يتعين ترسيخ ثقافة أداء تشاركية يقودها الإداريون والموظفون على السواء. ولن يتمكن المشغلون من توسيع نطاق خدماتهم لتشمل الفئات المحرومة، إلا إذا حصلوا على درجة من الاستقلال المالي دون التضحية بالاستدامة. كما أن السياسات التي تدعم تمكين المرأة في هذا القطاع – الذي لا يزال ذكوريًا إلى حد كبير – يمكن أن تسهم في تحقيق الأداء المنشود.
تحويل المبدأ إلى واقع
يتطلب ذلك قرارات سياسية جريئة، واستثمارات كبيرة، ونُظم حوكمة متجددة. وبكل واقعية، لن يتحقق الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة – ضمان المياه والصرف الصحي للجميع – بحلول عام 2030. ومع ذلك، لا ينبغي لهذا الواقع أن يُثبط عزيمتنا، بل أن يُحفّز تصميمنا.
فلنضاعف جهودنا – معًا – من أجل الكرامة، من أجل التنمية، ومن أجل المستقبل.
المصدر
 
				 
					

