مقالات

الكنيست الإسرائيلي بين التشريع وصراع الهوية

 

يعد الكنيست الإسرائيلي هو البرلمان الوحيد في إسرائيل ولا يقتصر دوره على التشريع فقط بل يمثل ساحة للصراع السياسي والديني والإجتماعي الذي يعكس تعقيدات المجتمع الإسرائيلي وتناقضاته الداخلية، ويتألف الكنيست من 120 عضوًا يُنتخبون عبر نظام التمثيل النسبي مما يؤدي إلى مشهد سياسي متشظٍّ متعدد الأحزاب ويجعل تشكيل الحكومات دائمًا عملية معقدة تعتمد على التحالفات الهشة.

الكنيست هو الجهة العليا للتشريع في إسرائيل ويملك سلطة سن القوانين وتعديلها وإلغائها كما تعكس القوانين التي تُناقش وتُقر في الكنيست أولويات المجتمع الإسرائيلي والتي تتنوع ما بين تعزيز الهوية اليهودية للدولة ومسائل الأمن والدفاع، والإقتصاد، والتعليم، والصحة إلا أن جزءًا كبيرًا من هذه القوانين يتسم بطابع أيديولوجي خاصة تلك المتعلقة بـ”قانون القومية اليهودية” الذي أُقر في 2018 وأثار جدلًا واسعًا لما فيه من إقصاء للهوية العربية الفلسطينية.

ويعكس الكنيست أيضاً انقسام المجتمع الإسرائيلي إلى تيارات عدة وهي: اليمين الديني والقومي، اليسار العلماني، والوسط البراجماتي، والأحزاب العربية. يبرز الصراع بين أحزاب اليمين مثل “الليكود” و”الصهيونية الدينية” وأحزاب الوسط واليسار مثل “يش عتيد” و”العمل” فضلًا عن التوترات الدائمة بين النواب اليهود والعرب.

كما أن التحالفات المتغيرة تجعل الحكومات الإسرائيلية ضعيفة وغالبًا ما تنهار قبل انتهاء فترتها مما يؤدي إلى انتخابات مبكرة متكررة وهذا يجعل الكنيست ساحة مليئة بالخطابات الشعبوية، لا سيما في ظل الأزمات الأمنية والإقتصادية.

وتلعب الأحزاب الدينية دورًا محوريًا داخل الكنيست وغالبًا في تشكيل الحكومات، أحزاب مثل “شاس” و”يهدوت هتوراة” تستغل مكانتها لضمان تمويل مؤسساتها الدينية وتعزيز نفوذها على مجالات مثل التعليم والزواج والأحوال الشخصية. هذه الأحزاب تتسبب أحيانًا في توترات مع التيارات العلمانية التي تطالب بفصل الدين عن الدولة.

رغم أن المواطنين العرب يمثلون حوالي 20% من سكان إسرائيل فإن تأثيرهم داخل الكنيست يظل محدودًا. الأحزاب العربية مثل “الجبهة” و”القائمة المشتركة” تسعى لتمثيل هموم الفلسطينيين في الداخل لكن تُواجَه دائمًا بالتهميش والهجمات الإعلامية كما يتم التشكيك في “ولائها للدولة” وهو ما يقلل من قدرتها على التأثير في القرارات المصيرية.

لا يكاد يخلو موسم برلماني في الكنيست من محاولات تمرير قوانين مثيرة للجدل مثل قوانين “الضم” في الضفة الغربية أو القوانين التي تسعى لتقليص سلطات القضاء وهو ما حدث في أزمة 2023–2024 حين حاول الإئتلاف اليميني بقيادة نتنياهو إضعاف المحكمة العليا مما أدى إلى مظاهرات حاشدة واتساع الشرخ بين مؤسسات الدولة.

فالكنيست ليس بمنأى عن الملفات الخارجية إذ ينعكس التوتر مع الفلسطينيين والإتفاقيات مع الدول العربية والعلاقات مع الولايات المتحدة في الخطابات والتصريحات داخل البرلمان. كثيرًا ما تُستغل هذه القضايا في الدعاية الإنتخابية واتهام الخصوم بـ”الخيانة” أو “التفريط بأمن الدولة”.

مؤخرًا يشهد الكنيست تراجعًا في ثقة المواطنين الإسرائيليين فيه بسبب كثرة الإنتخابات وتفشي الفساد، والتدخلات القضائية، والإتهامات المتبادلة. هذا التراجع في الثقة الشعبية يزيد من حدة الإستقطاب ويحول الكنيست إلى منبر للصراخ السياسي أكثر من كونه مؤسسة حوكمة رشيدة.

وختاماً ، الكنيست ليس مجرد هيئة تشريعية بل هو ساحة تجتمع فيها كل تناقضات الدولة الدين والدولة، اليهود والعرب، اليمين واليسار، العلمانية والتقليدية. وما يدور داخله ليس مجرد نقاشات تقنية حول قوانين، بل صراع فعلي على هوية الدولة وطبيعة مستقبلها، من هنا فإن متابعة ما يجري داخل الكنيست تمثل نافذة لفهم عمق الأزمة السياسية الإسرائيلية ومآلاتها المحتملة ليس فقط داخليًا بل على مستوى الصراع مع الفلسطينيين والمنطقة بأسرها.

______________________________________

د. آية الهنداوي- مدرس الدراسات اليهودية – كلية الآداب – جامعة المنصورة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى