" />
دنيا و دين

القنوط استصغار لسعة رحمة الله- عزّ وجلّ- ومغفرته، وذلك ذنب عظيم وتضييق لفضاء جوده تعالى

أحمد هلول 

إن القنوط واليأس من الصفات الذميمة التي يجب على المتصفح بها أن يتخلص منها وهي دليل على ضعف الإيمان، كما أنه يقطع الإنسان عن الله تعالى، وهو مما يحبّه الشّيطان لتيئيسه لبني الإنسان ويقعده أو يعجزه عن القيام بما أمر به ، وإذا غلب على الإنسان اليأس والقنوط حرمه الإبداع والتّفوّق واستسهل البطالة والكسل.

Z

يقول الشيخ محمود سليمان الواعظ بالأزهر الشريف وعضو لجنة الفتوى إن القنوط كما قال ابن منظور: (القُنُوط: اليأْس، وَفِي التَّهْذِيبِ: اليأْس مِنَ الْخَيْرِ، وَقِيلَ: أَشدّ اليأْس مِنَ الشَّيْءِ. والقُنُوط، بِالضَّمِّ، الْمَصْدَرُ. وقَنَط يَقْنِطُ ويَقْنُطُ قُنُوطاً مِثْلَ جلَس يجلِس جُلوساً، وقَنِطَ قَنَطاً وَهُوَ قانِطٌ: يَئِسَ؛ وَقَالَ ابْنُ جِنِّي: قَنَطَ يَقْنَطُ كأَبى يَأْبَى، وَالصَّحِيحُ مَا بدأْنا بِهِ، وَفِيهِ لُغَةٌ ثَالِثَةٌ قَنِطَ يَقْنَطُ قَنَطاً، مِثْلَ تعِب يَتْعَب تَعَبًا، وقَناطة، فَهُوَ قَنِطٌ؛ وَقُرِئَ: وَلَا تَكُنْ مِنَ القاَنِطِين) 

و القنوط اصطلاحاً:قيل  (القنوط: اليأس من الرحمة) وقيل (القنوط: الإياس من الرحمة)

وقال صاحب (اللباب في علوم الكتاب): (القنوط: شدة اليأس من الخير) 

وقال العزّ بن عبد السّلام: القنوط استصغار لسعة رحمة الله- عزّ وجلّ- ومغفرته، وذلك ذنب عظيم وتضييق لفضاء جوده تعالى.

أما عن حكم القنوط:  فقد قال الإمام ابن حجر: سوء الظّنّ بالله تعالى والقنوط من رحمته من الكبائر. مستدلّا بقوله تعالى (في القنوط (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا االضَّالُّونَ.

وقد اتّفقوا على أنّ الشّخص الّذي يئس من وقوع شيء من الرّحمة له مع إسلامه فاليأس في حقّه كبيرة اتّفاقا، ثمّ هذا اليأس قد ينضمّ إليه حالة هي أشدّ منه، وهي التّصميم على عدم وقوع الرّحمة له وهو القنوط، ثمّ قد ينضمّ إلى ذلك أنّ الله يشدّد عقابه له كالكفّار وهذا هو المراد بسوء الظّنّ هنا.

وقد حذّر القرآن الكريم من القنوط بصور متعددة وأساليب متنوعة، وذلك من أجل بعث الأمل والرجاء وبث روح الأمل والتفاؤل عند من يحصل له أي نوع من أنواع اليأس والقنوط، ومن تلك الصور والأساليب التي جاءت في القرآن الكريم محذرة من القنوط قوله  تعالى (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )

قال السعدي: (لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ أي: لا تيأسوا منها، فتلقوا بأيديكم إلى التهلكة، وتقولوا قد كثرت ذنوبنا وتراكمت عيوبنا، فليس لها طريق يزيلها ولا سبيل يصرفها، فتبقون بسبب ذلك مصرين على العصيان، متزودين ما يغضب عليكم الرحمن، ولكن اعرفوا ربكم بأسمائه الدالة على كرمه وجوده، واعلموا أنه يغفر الذنوب جميعا من الشرك، والقتل، والزنا، والربا، والظلم، وغير ذلك من الذنوب الكبار) 

وقال ابن عطية رحمه الله ” هذه الآية عامة في جميع الناس إلى يوم القيامة في كافر ومؤمن أي: إن توبة الكافر تمحو ذنوبه، وتوبة العاصي تمحو ذنبه ” 

وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}» كما نقل عن علي بن أبي طالب وابن مسعود رضي الله عنهما أن هذه أرجى آية في كتاب الله، وقد اشتملت هذه الآية على معان عظيمة في الرجاء، والنظر إلى سعة رحمة الله تعالى.

وقد وصْفُ القانطين بالضلال حيث قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّونَ} فلا ييأس من رحمة الله إلا القوم الذين قد أخطؤوا سبيل الصواب وتركوا قصد السبيل في تركهم رجاء الله لأنهم لا علم لهم بربهم، وكمال اقتداره فضلّوا بذلك عن دين الله، وأما من أنعم الله عليه بالهداية والعلم العظيم، فلا سبيل للقنوط إليه؛ لأنه يعرف من كثرة الأسباب والوسائل والطرق لرحمة الله شيئًا كثيرًا.

كما بين أن القنوط إنما يصيب أهل الغفلة عن نعم الله وآلائه، المعرضين عن تذكر منن الله على عباده كما قال تعالى: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ}،

قال البغوي: (إذا هم يقنطون، ييأسون من رحمة الله، وهذا خلاف وصف المؤمن – فإنه يشكر الله عند النعمة ويرجو ربه عند الشدة) 

كما ورد التحذير من القنوط في السنة النبوية فمن ذلك ما ورد عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: «إنّ رجلا قال: يا رسول الله، ما الكبائر؟ قال:«الشّرك بالله، والإياس من روح الله، والقنوط من رحمة الله» ) 

وقال عليّ- رضي الله عنه- الفقيه حقّ الفقيه: من لم يقنّط النّاس من رحمة الله ولم يرخّص لهم في معاصي الله، ولم يؤمّنهم من عذاب الله، وقال ابن مسعود- رضي الله عنه- الكبائر: الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله» 

بالله أبلغ ما أسعى وأدركه … لا بي ولا بشفيع لي من النّاس

إذا أيست وكاد اليأس يقطعني … جاء الرّجا مسرعا من جانب الياس)

وقال بعض أهل العلم: شرّ النّاس الّذين يقنّطون النّاس من رحمة الله: أي يؤيّسونهم من رحمة الله)

و صور اليأْس والقنوط كثيرة  كاليأْس والقنوط من مغفرة الله للذنوب، واليأْس والقنوط من زوال الشدائد وتفريج الكروب، اليأْس من التغيير للأفضل ويتمثل في يأس الإنسان من تحصيل ما يرجوه في أمر من أمور الدنيا كجاه أو مال أو زوجة أو أولاد وغيرهم، وكاليأْس من نصر الإسلام، وارتفاع الذُّل والمهانة عن المسلمين .

وللقنوط أسباب منها

الجهل بالله سبحانه وتعالى :

قال ابن عادل : (القنوط من رحمة الله تعالى لا يحصل إلا عند الجهل بأمور :

أحدها : أن يجهل كونه تعالى قادرًا عليه .

وثانيها : أن يجهل كونه تعالى عالـمًا باحتياج ذلك العبد إليه .

وثالثها : أن يجهل كونه تعالى، منزهًا عن البخل، والحاجة .

والجهل بكلِّ هذه الأمور سبب للضلال

وقال ابن القيم : (الكبائر :..القنوط من رحمة الله، واليأْس من روح الله.. وتوابع هذه الأمور إنما تنشأ من الجهل بعبودية القلب، وترك القيام بها) 

الغلو في الخوف من الله سبحانه وتعالي: قال ابن القيم : (لا يدع الخوف يفضي به إلى حدٍّ يوقعه في القنوط، واليأْس من رحمة الله، فإنَّ هذا الخوف مذموم.

مصاحبة اليائسين والقانطين والمقنطين

فإنَّ مصاحبة هؤلاء تورث اليأْس والقنوط من رحمة الله إما مشابهةً، أوعقوبةً للاختلاط بهم .

أما عن الوسائل المعينة على التخلص من اليأْس والقنوط فهي :

1- الإيمان بأسماء الله وصفاته :

إنَّ العلم والإيمان بأسماء الله وصفاته، وخاصة التي تدلُّ على الرحمة، والمغفرة، والكرم، والجود، تجعل المسلم لا ييأس من رحمة الله وفضله.

2- حسن الظن بالله ورجاء رحمته :

قال السفاريني : (حال السلف رجاء بلا إهمال، وخوف بلا قنوط. ولابد من حسن الظن بالله تعالى) 

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((قال الله عزَّ وجلَّ : أنا عند ظنِّ عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني، والله، لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة، ومن تقرَّب إلي شبرًا، تقربت إليه ذراعًا، ومن تقرَّب إلي ذراعًا، تقربت إليه باعًا، وإذا أقبل إليَّ يمشي، أقبلت إليه أهرول)) 

3- الزهد في الدنيا :

فمن أسباب اليأْس والقنوط الأساسية، تعلق القلب بالدنيا والفرح بأخذها، والحزن والتأسف على فواتها بكل ما فيها، من جاه، وسلطان، وزوجة، وأولاد، ومال، وعافية..إلخ، فاعلم أنَّ الله سبحانه يعطي الدنيا لمن لا يحب ومن يحب، ولا يعطي الآخرة إلا لمن أحب، وقد منع أحب الخلق إليه، وأكرمهم عليه، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الدنيا وما فيها، فخرج وما ملأ بطنه من خبز البر ثلاث أيام متواليات، وأنَّ المرء لن يأخذ أكثر مما قدر له فلا ييأس ولا يقنط لفوات شيء .

4- الصبر عند حدوث البلاء :

وذلك أن الله سبحانه ذم اليائسين من رحمته عند حصول البلاء، واستثنى من الذم الصابرين على البلاء، وجعل لهم الثواب العظيم .

فقال تعالى : ” وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَـئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ” 

ونهى النَّبي صلى الله عليه وسلم عن تمني الموت بسبب البلاء، فعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا يتمنين أحدكم الموت لضرر أصابه، فإن كان لا بد فاعلًا، فليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي)) [رواه البخارى ومسلم واللفظ للبخارى]

قصص في عدم اليأْس والقنوط :

قصة نبي الله يعقوب عليه السلام :

فقصة نبي الله يعقوب عند فقد ابنه يوسف عليهما الصلاة والسلام درس عظيم في ترك اليأْس، وحسن الظن بالله، والصبر على البلاء، ورجاء الفرج من الله، في عدة مواضع منها :

– عندما جاءه نعي أحب أولاده إليه يوسف عليه الصلاة والسلام – وهذا أعظم المصائب على قلب الأب-لم يفقد صوابه، وقابل قدر الله النازل، بالصبر والحلم، والاستعانة بالله سبحانه على رفعه ” قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ “

– ولما عظمت المصيبة بفقد ابنه الثاني ازداد صبره، وعظم رجاؤه في الفرج من الله سبحانه، فقال لأبنائه ”  قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ “

– وحين عوتب في تذكر يوسف عليه الصلاة والسلام بعد طول الزمان، وانقطاع الأمل، وحصول اليأْس في رجوعه، قال بلسان المؤمن الواثق في وعد الله برفع البلاء عن الصابرين، وإجابة دعوة المضطرين ” قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ “

– وأخذ بالأسباب في السعي والبحث عن يوسف وأخيه فقال لأبنائه : ” يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ” [

– فكانت العاقبة لمن صبر وأمل ورضي ولم يتسخط قال تعالى : ”  فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ من عند الحبيب مبشرًا باللقاء القريب ” أَلْقَاهُ ” قميص يوسف ” عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا ” فرجع البصر، وبلغ الأمل، وزال الكرب، وحصل الثواب لمن صبر ورضي وأناب، ” قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ “

Z

و يقول الشيخ محمد عيسى الهاشمي الواعظ بالأزهر الشريف وعضو لجنة الفتوى : بسم الله الرحمن الرحيم

يقول الله جل وعلا:(( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ))؛ يا الله نداء عَذب .. نداء ندىّ، نداء رخىّ يملأ القلوب أمنا واطمئنانا، ورجاءً في الرحيم الكريم اللطيف جل جلاله، إن وقعت و زلت قدمك فأنت بشر فأصغ سمعك، وأحضر قلبك لهذا النداء العلوى الجليل، واسعد واسجد لربك شكراً أن نَسَبَكَ الله لتكون عبداً له:((قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ))، يا له من شرف.. أن ينسب الله الذين أسرفوا على أنفسهم، بالمعاصى والذنوب وجعلهم عباداً لعلام الغيوب جل جلاله، من أنا؟ ومن أنت؟ على المعصية ننسب عباداً لله؟ ما طردنا الله من هذه الصلة ؟ لا والله لأنه خالقنا، لأنه هو الذي يعلم ضعفنا، ويعلم فقرنا ويعلم عجزنا، ويعلم جهلنا.. ويعلم ذلنا، فإن ذلت قوتُك ووقعت في كبيرة من الكبائر، أو في معصية من المعاصى.. فهيا.. إياك أن يخذلك الشيطان، وأن يصرفك عن قرع باب الرحيم الرحمن لاتتردد ، تعالى .. تعال إلى ربك، على الرغم من ذنوبك،على الرغم من معاصيك… “ 

وقد جاء في الحديث ” إن عبداً أصاب ذنباً فقال : يا رب إني أذنبت ذنباً فاغفره لي . فقال ربه: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به فغفر له، ثم مكث م اشاء الله، ثم أصاب ذنباً آخر، وربما قال ثم أذنب ذنباً آخر فقال: يا رب إني أذنبت ذنباً آخر فاغفره لي: قال ربه: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به فغفر له، ثم مكث ما شاء الله، ثم أصاب ذنباً آخر، وربما قال ثم أذنب ذنباً آخر، فقال: يا رب إني أذنبت ذنباً آخر فاغفره لي: قال ربه: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به فقال غفرت لعبدي فليعمل ما يشاء)) رواه البخاري ومسلم..”.

وحق لنا أن نفرح ولا نقنط من رحمه الله 

يقول ربنا في الحديث القدسي الجليل: (إني والإنس والجن لفي نبأٍ عظيم، أخلق ويُعبد غيري، وأرزق ويشكر سواي، خيري إلى العباد نازل، وشرهم إليَّ صاعد، أتحبب إليهم بالنعم وأنا الغني عنهم، ويتبغضون إلي بالمعاصي وهم أحوج شيءٍ إلي، أهل ذكري هم أهل مجالستي، فمن أراد أن يجالسني فليذكرني، وأهل طاعتي هم أهل محبتي، وأهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، فإن تابوا إليَّ فأنا حبيبهم، وإن أقبل واحدٌ منهم إليَّ تائباً تلقيته من بعيد، وإن أعرض عني واحد منهم عاصياً ناديته من قريب قائلاً له: إلى أين تذهب؟ ألك ربٌ غيري؟ الحسنة عندي بعشر أمثالها وأزيد، والسيئة عندي بمثلها وقد أعفو، وعزتي وجلالي وإن استغفروني غفرتها لهم).

قال إبليس لرب العزة: (وعزتك وجلالك لأضلنهم ما دامت أرواحهم في أبدانهم، فقال أرحم الرحمين وأكرم الأكرمين لإبليس: وعزتي وجلالي لأغفرن لهم ما داموا يستغفرونني) فتوبوا إلى الله أيها الأحباب، وارجعوا إلى الله، من كان لا يصلي فليصل، من كانت سافرة متبرجة أو لبست حجاب الفتنة وحجاب التبرج فلتتقي الله ربها، ولترجع إلى الله عز وجل، من كان يحارب الإسلام فليتب إلى الله، من عادى العلماء ومن عادى الدعاة فليتق الله.

وروى مسلم في صحيحه (عَنْ أَبِى ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ « …… يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّى فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِى فَتَنْفَعُونِي يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِى فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ.

عباد الله وإن كنا نعيش واقعا أليما 

ساءت فيها  الأحوال ..وكثرت المعاصي والمنكرات …

وانتشر أكل الربا وانتشر الزنا ذهبت البركات……وقلت الخيرات .. 

قست القلوب … فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوة.

ولعل سائل يسأل فيقول قد ارتكب الزنا.. وآخر أكل الربا …وآخر أسرف على نفسه بالمعاصي 

يسألون …هل لنا من توبة …..؟؟؟ وهل لنا من أوبة …؟؟؟

وهذا حالنا ..كلنا ذو خطا ….فهل لنا توبة ؟

أَتَى النبي  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو جالس بين أصحابه

رجل ..كبر سنه .. وانحنى ظهره ورق عظمه، يجر خطاه،

يتكء على عصا .

جاء يمشي حتى قام بين يديّ النبي …..فقال بصوت تصارعه الآلام 

فَقَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلا عَمِلَ الذُّنُوبَ كُلَّهَا،….. فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهَا شَيْئًا،

لو قسّمت خطيئته بين أهل الأرض لأوبقتهم

ولَمْ يَتْرُكْ حَاجَةً وَلا دَاجَةً (أي صغيرة ولا كبيرة) إِلا أَتَاهَا، 

فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟

فرفع النبي بصره إليه 

فإذا شيخ قد انحنى ظهره واضطرب أمره

وأهلكته الشهوات والآلام،

فقَالَ له النبي صلى الله عليه وسلم : «فَهَلْ أَسْلَمْتَ؟»

قَالَ الرجل: أَمَّا أَنَا

فَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ،

قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم : نَعَمْ…اي لك توبة 

 تَفْعَلُ الْخَيْرَاتِ،…… وَتَتْرُكُ السَّيِّئَاتِ،

فَيَجْعَلُهُنَّ اللَّهُ لَكَ خَيْرَاتٍ كُلَّهُنَّ

قَالَ الرجل : وَغَدَرَاتِي وَفَجَرَاتِي؟

قَالَ النبي صلى اله عليه وسلم :  نَعَمْ

 قَالَ الرجل: اللَّهُ أَكْبَرُ، …فَمَا زَالَ يُكَبِّرُ حَتَّى تَوَارَى.

وهذا يدل علي أن الإسلام يجب ما قبله . 

 ((وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:3

 ووعد جل في علاه ….بالقبول، 

(( فقال : (( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ  

 ثم فتح الرحمن جل وعلا … باب الرجاء، 

فقال  : (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [الزمر:53

فأبشر أيها التائب… أبشر أيها العائد الى الله  

فالله يناديك….أيها العاصي…يا من ظلمت واعتديت  

يا من أسرفت على نفسك بالمعاصي … 

الهكم يناديكم من فوق سبع سموات  

يا عبادي …إنكم تخطئون بالليل والنهار … وأنا أغفر الذنوب جميعا 

فاستغفروني…أغفر لكم… اللهم اغفر لنا ورحمنا

روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال 

((ما من عبد يذنب ذنبا فيتوضأ فيحسن الوضوء …

ويصلي ركعتين ويستغفر الله إلاغفرالله له )) ثم تلا هذه الاية :

{وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً }النساء… 

أوحى الله جل وعلا إلى داود عليه السلام:

 يا داود….! 

لو يعلم المدبرون عني… كيف انتظاري لهم

 ورفقي بهم… وشوقي إلى ترك معاصيهم .. 

لماتوا شوقاً إلي،….ولتقطعت أوصالهم من محبتي،.

 يا داود!… هذه إرادتي في المدبرين عني، .. 

فكيف إرادتي في المقبلين علي؟

عبد الله …أمة الله 

قم وناد في الأسحار … والناس نيام

 يا رجاء الخائفين….يا أمل المذنبين 

إن طردتني…فإلى من أذهب؟ 

يا رحيماً بمن عصاك، … يا حليماً على من تناساك،

 

قال الشيطان…وعزتك يا رب…

 لا أبرح أغوي بني أدم 

ما دامت أرواحهم في أجسادهم …

 فقال الرب جل جلاله 

وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني … 

لا أزال أغفر لهم ما استغفروني…اللهم اغفر لنا وارحمنا 

وهذا عبد من عباد الله …

 أطاع الله أربعين عاما..وعصاه أربعين  

فنظر إلى وجهه في المرآة    

فرأى الشيب في شعر رأسه 

فقال يا رب أطعتك أربعين…وعصيتك أربعين…

فهل إذا جئتك قبلتني

فسمع مناديا يقول له…أطعتنا فقربناك…وعصيتنا فأمهلناك 

وإن رجعت إلينا قبلناك… 

(نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).

(ورحمتي وسعت كل شى)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى