ثقافة وادب

الروائية السودانية آن الصافي لـ”أخبار الساعة”: الكتابة للمستقبل أهم مشــروعاتى الأدبية

محتويات المقال

akhbarelsaa.com bJXGlYPp

أجرت الحوار: أمنية السيد حجاج

  • «أنسنة» الحياة السبيل الوحيدة لإنقاذ الفرد والمجتمع من طغيان المادة.

  • الحركة الثقافية فى السودان لم تتوقف رغم الحرب.

  • ترعرعت خارج حدود وطنى لكنه يسكننى بكل تفاصيله.

يبقى السودان رغم كل ما يعانيه منبعا للفن ومعينا للإبداع لا ينضب، فبلد أنجب الطيب صالح والهادى آدم والفيتورى وحمور زيادة وغيرهم، ما كان له أن يتوقف عن ضخ روح الجمال والإبداع فى شرايين الأدب العربى. واستمرارا لهذا الدور الرائد قدمت لنا السودان مؤخرا الروائية «آن الصافي» التى صدر لها روايات «فُلك الغواية»، و«جميل نادوند»، و«توالي»، و«قافية الراوي»، و«كما روح»، و«إنه هو» و«مرهاة»، «خبز الغجر»، وتعمل على مشروع سمته «الكتابة للمستقبل» ويعنى أثر أدوات العصر على حياة إنسان اليوم وأجيال الغد وما نتج من قضايا ومواضيع تهم المجتمعات العربية فى محاولة لهدم الواقع وبنائه من جديد، وهو مشروع يرتبط نسبيا بمجال دراستها كمهندسة الكمبيوتر، ويرتبط كليا بمجال عشقها..الأدب، حيث تقول: «اليوم هو مستقبل الأمس والغد هو مستقبل اليوم، ونحن في عصر الذكاء الاصطناعي والشبكة العنكبوتية والمستجد في سبل التواصل والثورة المعلوماتية. كما نشهد كما هائلا من الاكتشافات العلمية بالإضافة لسهولة التنقل والسفر ونشوء ما يسمى المدن الكوزموبوليتان. من هنا أتت فكرة مشروع الكتابة للمستقبل».. وإلى نص الحوار:

ما أهم ملامح مشروعك «الكتابة للمستقبل» وما أهدافه؟

عبر المقالات والأوراق الفكرية الثقافية والدراسات والمحاضرات أتطرق إلى تفاصيل هذا المشروع الذى يعد أهم مشروعاتى. وحتى اللحظة يوجد 3 أجزاء منشورة تحت عنوان «الكتابة للمستقبل كتاب فكري ثقافي»، تحمل في طيها هذه المقالات والأوراق. ما أكتبه من سرد عبر الرواية والقصة هو التطبيق العملي لنهج الكتابة للمستقبل، سواء في توظيف تقنيات السرد والأفكار والرؤى الجديدة والقضايا التي تهم إنسان الحاضر والمستقبل. فالكتابة للمستقبل تلزم ما أمكن، الأصالة في تقديم الأعمال الأدبية هدف، أي أن يكون العمل المقدم نموذجًا يُقاس عليه.

من خلال تناولك لقضايا الهوية والهجرة الطوعية والقسرية وأثرها على التعايش فى المدن كيف قمت بتسليط الضوء على إيجابيات كل مجتمع؟

عرفت المجتمعات والمجموعات البشرية عبر التاريخ التنقل الطوعي والقسري ولعدة أسباب كما نعلم. هذا حدث وما زال يحدث، عند تقريب عدسة لمراقبة هذه المجموعات والمجتمعات، نجد هناك ما يسمى الثقافة التي تخص كل مجموعة وبالتالي المجتمعات تحمل ثقافات من الممكن أن تكون متجاورة أو متعايشة ومؤثرة على بعضها البعض بتقاربات ما.

كما أن هناك هجرات داخلية في الدولة نفسها وهناك هجرات خارجية . التنقل إلى أماكن جديدة بها طبيعة وثقافة وربما ثقافات، تخص سكانها من الممكن أن ينتج عنه ما هو جديد ومفيد للمجتمع في هذه البقعة. القوانين التي تحث على التعايش السلمي والدعم الإنساني بالتساوي وتنظيم التعاملات هو ما يوافق نماذج لمدن تمتعت بتلاقي الثقافات عبر التاريخ وأنتجت الكثير من النجاحات وفي عدة حقول .

فمثلا مع اكتشاف البترول في دول الخليج ونشوء دول حديثة، خُلقت فرص تنافسية للعمل والتبادل المعرفي والتعلم والانفتاح في التواصل بشكل هادف مع احترام القيم الإنسانية، مع وضع أعمال ومشاريع استفاد منها السكان الأصليون والوافدون لأرضها، مع أن ثقافة التسامح أصيلة في المجتمعات العربية عموما، لكن هنا وجب وضع القوانين لحفظ الحقوق وتنظيم أطر الحياة بشكل يحقق السلم في المجتمع. وهذا ما أحرص على تناوله عبر الأعمال السردية في مشروع الكتابة للمستقبل.

يوجد لديك طرح فكرى وفلسفي لقضية الأسطورة ودورها فى حياة الإنسان وقيمة التمسك بجوهر العبادة .. ماذا تعنين بهذا الطرح؟

ثقافاتنا نتاج حضارات ضاربة في القدم. الموروثات الثقافية التي تحملها مجتمعاتنا بتنوعها تقدم لنا قوالب للأسطورة تتداخل مع تفاعلاتنا الحياتية، والأسطورة في حد ذاتها ما وجدت إلا لأهداف بعينها. ففي الدول التي تتسم بالمادية المطلقة أمعنت في البعد عن أنسنة المجتمع عبر الوحدانية المفرطة. حدث شيء من الخواء النفسي ـ الروحي والأخلاقي لا مفر لهذه المجتمعات سوى العودة لتبني قيم لا تتأتى إلا من العقيدة الراسخة التي تضمن التوازن النفسي والأمن الأخلاقي المجتمعي. لب الإيمان بهذه العقيدة إن لم يوقر في القلب ويصدقه العمل فما جدواه. لذا في المجتمعات التي تعاني أثر الحداثة وما بعد الحداثة تعود بشكل تلقائي مع مفهوم «بعد ما بعد الحداثة» للحث على العودة للطبيعة وأنسنة الحياة بكل أوجهها لعل وعسى إنقاذ الفرد والمجتمع. في مجتمعاتنا التي قد توسم بأنها في مرحلة قبل الحداثة ربما، أو في مرحلة الحداثة، بأي حال، مهما كان لدينا من إشكاليات ومآزق إلا أن الحلول بين أيدينا وطوق النجاة في ثقافاتنا، التي أثبتت جدواها وعاداتنا وتقاليدنا بها الكثير من القيم، التي تحقق مفهوم أنسنة الحياة والمجتمع بشكل تلقائي.

في رأيك ما المقصود بـ(الاقتصاد العاطفي) وما العلاقة التي تربط بين هاتين الكلمتين.. حدثينا عن هذه النظرية؟

ورد الاقتصاد العاطفي والسلوكي في عمل روائي عنوانه «خبز الغجر» يدور حول مجتمع الغجر ومن يجاورهم وكيف يعيشون حياتهم وكيف يُنظر إليهم. المهن التي تمارس من قبل الشخوص للاكتفاء المادي قد تتم في بيئات تشجعها على المواصلة أو تغيير نمطيتها في العمل بسبب تحورات وتحولات قد تحدث في واقعها. هل العاطفة تتحكم في الاقتصاد، كيف تتم زيادة عدد العملاء وزيادة المبيعات، كيف يؤثر الترويج والتسويق في نسبة البيع عبر معرفة عقلية العملاء وما يوافق متطلباتهم بل التحكم في قائمة الطلبات التي تخصهم. كيف لصانعة خبز في مجتمع مهمش أن تخترق مجتمع السيادة المدني بمنتجها، كيف لها أن تفتتح عدة أفرع محلية وعالمية لتوفير منتجها، كيف لفرد عبر مهنته أن يتحكم في مصير أعمال أسرة ومجتمع بحاله.

فللعاطفة تأثير في سلوك المستهلكين ويمكن لصاحب العلامة التجارية اللعب على هذا الوتر لزيادة الأرباح لدى المؤسسات التجارية، هناك دراسات تشرح ثنائية العاطفة والسلوك.

 

2024 638605623416229146 622

قدمت رواية «مرهاة» التي تتحدث عن رؤية لقضية تعانى منها جغرافياَ أقاليم بعينها تحت وطأة النزاعات والحروب الهمجية التي يدفع ثمنها الإنسان واللعب بتاريخ الأوطان؟

«مرهاة» عمل روائي من الممكن أن يُدرج تحت مسمى «نحن والآخر» ولكن بشكل مغاير. ما تسمى الدول العظمى الاستعمارية ما زالت لها أياد تؤجج في بلادنا ما تشاء من الفتن وتزرعها بمهارة. شعوب تلك الدول مغيبة عن هذا الواقع ولا تعي حقيقة ما يدور لدينا بسبب سياسات دولهم. الصورة النمطية أن أرضنا لها تاريخ عريق وآثار بديعة وقيمة عدا الثروات الطبيعية وشعوبنا غير جديرة بها ولا تستحقها. حين تنشب الصراعات والحروب من يدفع الثمن سوى المواطن إن نجا من الموت ينزح ويطلب اللجوء في مكان يضمن له أبسط متطلبات الحياة. الحقيقة ما يحدث، تتم إبادة الشعوب وتهجيرها وسرقة كل ما يتعلق بكنوز أرضهم وكأنها حق مكتسب، ويتم الاستلاب الثقافي بشكل ممنهج. ربما هذه الصورة التي قد يراها من يأتي بمحبة للبحث في تراثنا وتعلقاً بجماليات ما وصلنا من إبداعات الأجداد من تحف وآثار عريقة.

في وسط الفتن يغادر سكان أرضنا للغرب للنجاة بحياتهم، ومحب الإبداع الذي أتى بشغف الاكتشاف من الممكن نجده صامدا لأهداف إنسانية سامية متعلقاً بأرضنا وثقافتنا وموروثاتنا. «مرهاة» تقدم نموذجًا لفتاة عاشقة للعمل الإبداعي ومأخوذة بإتقان جماليات ما تقدمه وشخص من بقعة أخرى وتاريخ مستقبلي يتلقى إبداعها بشغف ويعشق ثقافتها ويعيش لأجلها.

كيف ترين الكتابة النسائية السودانية في ظل المتغيرات الاجتماعية والسياسية المتسارعة؟

في السودان الكُتاب من بلادي نساء ورجالًا لم تستوقفهم صعوبات الواقع في تقديم أعمالهم. واقعنا ملغوم منذ عقود بكثير من الفتن، هناك شبه اتفاق ضمني أن ندعم بعضنا البعض وأن نتواصل ونواصل ونشجع القادم الجديد من كتاب وكاتبات ونفسح المجال لكل مبدع أن يعطي ما أثمره جهده بشكل موضوعي. ولكن مبدعات ومبدعي وطني يؤمنون برسالتهم وواجبهم، يسعون بإخلاص ويحلمون بالخلاص من براثن الجهلاء وأعداء الإنسانية والجمال وأمن وسلام الشعوب. لدينا عدد من المبدعين في شتى الحقول حصدوا مراتب متقدمة في الجوائز ووجدوا مساحات جيدة للنشر والتفاعل ولفت النظر نحو قضايانا، وعادة الثقافات الأصيلة لا تُهزم وإن تعثرت لأسباب خارجة عن إرادتها تنهض أقوى وتقدم الأفضل.

ماذا تقصدين بالرواية التفاعلية (فى حضرتهم) بالاشتراك مع الكاتب المغربى عبد الواحد ستيتو؟

«في حضرتهم» عمل روائي مشترك مع عبدالواحد ستيتو، يعتبر العمل الروائي التفاعلي الأول المشترك لكُتاب عرب. كتبناه في حساب متخصص يحمل ذات عنوان العمل في الفيسبوك، وفي الوقت نفسه يكون متاحاً للقراءة الإلكترونية عبر تطبيق ميتا لمن يشاء في كل وقت. ما فعلناه في رواية «في حضرتهم» أن راقبنا التعليقات والتكهنات من قبل القراء لنفاجئهم في كل فصل بكتابة ما يخالف التوقعات ونكسب نقطة الإثارة وتحفيز شغف القارئ.

بعد الانتهاء من كتابة العمل، قررنا نشره في كتاب ورقي وهذا ما حدث وكنا حريصين على أن يكتب على الغلاف أن العمل في الأصل رواية تفاعلية، بالطبع كان هناك هدف وهو لفت الانتباه بأن هذا العمل أُنجز إلكترونياً أولاً، وفي آخر صفحة من الرواية وضعنا الرابط لحساب العمل بتطبيق ميتا. الخلاصة توفر العمل بقالبين، بنكهة إلكترونية وأيضاً بالقالب المعهود ورقياً لمن يشاء.

كيف تشاهدين الجهود الرامية لحفظ التراث السوداني في عالم متغير تسوده هيمنة مواقع التواصل وأصحاب التقدم المعرفي في الغرب؟

الإيمان بقيمة ما ورثناه من أجدادنا من ثقافات، ففي السودان توجد جهات مختصة للحفاظ على التراث كلها لن تنجح ما لم تشرك أطياف المجتمع بتوعيتهم بأهمية هذا الأثر. نأمل في توقف الحرب وانتصار الشعب على الفتن، والعمل على تقديم نموذج حضاري، يعنى بالإنسان وموروثاته بأفضل سبل العناية والرعاية العلمية والتقنية. لا يوجد مستحيل، فالخام موجود، والخبرات متوافرة، والآليات ممكنة، سنكون حينها بأفضل حال، نعني بالماضي والحاضر والمستقبل بثقافاتنا بتنوعها وجمالياتها.

ما رؤيتك للمشهد الإبداعي الروائي في السودان والعالم العربى؟

إنسان السودان سليل حضارات عريقة وفي الوقت الراهن لدينا ثقافات أصيلة تتميز بتنوعها الذي يصل إلى 600 ثقافة بالإضافة إلى عدة لغات ولهجات تصل إلى 140، مع التنوع في التضاريس الطبيعية على أرض السودان، ليس من المبالغة إن ذكرنا أن الإبداع سمة سائدة، بحيث يُلاحظ الكم الهائل من المبدعين في شتى الحقول، والتي منها الكتابة السردية. على الرغم من الصعوبات السياسية التي يعانيها الشعب السوداني في العقود الماضية، إلا أن المبدع لم يتوقف عن مشاركته في الحركة الفكرية والأدبية والثقافية والفنية.

أؤمن بأن الإبداع في السودان بخير، والعقول الإبداعية لم يمنعها من التواصل الحدود الجغرافية المكانية أو أي حواجز. فسبل التواصل التقنية المتاحة قربت المسافات وأنشأت علاقات وتجمعات تزخر بأخبار الأعمال الإبداعية ومن يقومون عليها بشكل تلقائي عدا المعارض والمهرجانات والمؤتمرات والصفحات الثقافية والمنصات المتخصصة والدراسات والجوائز والمسابقات بتنوعها كل ذلك أتاح فرصا مهمة ومحفزة للتواصل والانتشار. هناك تنافسية عظيمة في الكتابة السردية وأمور مهمة يجب أن توضع في الحسبان بشكل أكثر جدية، الشاشات تجذب القراء نحوها بشكل ناعم، الصورة واللون والحركة والإضاءة والصوت ولغة الجسد عبر الدراما والسينما أوجدت لها مساحة في العقول بالعمل على التحفيز على المتابعة والمواصلة بتشويق، وعلى الكاتب استيعاب عقلية القراء وتوظيف أدواته وشحذ همته لتقديم الممتع والمبهر والمهم والمفيد، وأن يتجنب عثرات الرتابة والملل التي قد تحدث بسبب التكرار وهشاشة المعروض عبر السرد.

بما أنك مغتربة ماذا استفدت من تجربة الطيب صالح عميد الرواية السودانية وصاحب «موسم الهجرة إلى الشمال»؟

أستاذنا الطيب صالح كان معتزا بهويته وانتمائه، وهذا الأمر انعكس في أعماله، البعد المكاني بغرض العمل لم يقطع رابطه الوشيج بأرضه وبيئته الأم. كتب ما يمثل فكره ورؤاه وابتكر في السرد بما يوافق أعماله وقضاياها. كان مقلاً ربما في الكتابة، ولكن كان حريصاً على تقديم وجهة نظره من خلال شخوصه وبشكل سلس قدم قضايا المجتمع الذي يعنيه بكل حب وتقدير ملامسا همومًا إنسانية وتمس القارئ بصورة ما ليعيش تجربته بتفاصيل بيئات أعماله.

أنا ترعرعت خارج حدود وطني جغرافيا، ومع ذلك وطني يسكنني بكل ما فيه، الأسرة لها دور كبير في التغذية بالمفاهيم والعادات والتقاليد ولم أحرم قط من زيارة موطني متى شئت، كما أن المجتمعات التي عشت فيها لم تمنعني من أن أكون ذاتي كما وجدتني سودانية معتزة بهويتي وعميق انتمائي لوطني الأم. الإبداع الكتابي يجعل الكاتب يحلق ويغوص ويتخلل ما يشاء من أفكار وينسج ما يجول بخاطره عبر الكلمة ويضعه عبر السرد، الاهتمام بقضايا المجتمعات والهموم الإنسانية يتطلب الشعور والفهم الدقيق لتفاصيل النفس البشرية ومآلات المجتمعات ومعطياتها والوعي بالمؤثرات ومدى تحكمها في المستجدات الحادثة والمتوقعة بشكل موضوعي.

كيف تأثرت بحصولك على جائزة الطيب صالح للكتاب الإبداعي؟

جائزة الطيب صالح للكتاب الإبداعي تعد واحدة من أهم الجوائز في الساحة الأدبية. حظيت بشرف الفوز في دورة العام 2022 بالمركز الثاني في مجال القصة القصيرة، حيث شاركت بالمجموعة القصصية «المسائل». نشرت عدة أعمال قبل هذه المجموعة ولكن فوزي هذا أجده تكريما لمشروعي الذي أعمل عليه. وشجعني هذا على المواصلة والسعي لتقديم الأفضل ما أمكن، شاكرة القائمين على الجائزة الذين يدعمون المسار الأدبي بشكل حقق وصول عدد من الأعمال الأدبية وأسماء كتابها إلى القراء والمهتمين في كل مكان.

 

akhbarelsaa.com fvDD4vCo

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى