دنيا و دين

الرجولة فى الإسلام سماتها الثبات على المنهج الإلهى و الفضيلة و تحمل المسئولية

أحمد هلول

إن الرجولة الحقة تحمل فى طياتها المعانى السامية والمقامات العالية وهذا الوصف يمس الجوهر لا المظهر فقيمة الرجولة وحقيقتها فى مضمونها ،لافى شكلها

إن الرجولة الحقة رأى سديد،وكلمة طيبة ،ومروءة ،وشهامة،وتعاون ،وتضامن 

2Q==

أخبار الساعة تناقش هذه القضية مع الشيخ سيد احمد حسين واعظ عام وعضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف

الذى أكد أن الرجولة ليست هى تطويل الشوارب ورفع الصوت والصياح ،وليست عرضاً للقوة والعضلات 

إن الرجال لن يتربوا إلا فى ظلال العقائد الراسخة والفضائل الثابتة ،والأخلاق الحسنة ولن يتربوا إلا فى ظلال بيوت الله ،وفى ظلال القرآن الكريم والسنة النبوية

لأننا نعيش فى زمن قل فيه الرجال فقدت الأمة أخلاق الرجولة وصرنا نرى أشباه الرجال وليس الرجال ،غثاء كغثاء السيل

لأن الرجولة الحقة :هى تحمل المسئولية فى الذب عن دين الله والدفاع عن الوطن والنصح فى الله 

إن أول من تحلى بالرجولة هو النبى-صلى الله عليه وسلم -الذى علم الرجال ،وربى الرجال ،وهو الذى قال والله! لو وضعوا الشمس فى يمينى ،والقمر فى يسارى ،على أن أترك هذا الأمر ما تركته،حتى يظهره الله ،أو أهلك فيه

لقد ذكر القرآن الرجولة فى أكثر من موضع منها 

أول هذه الصفات الطهارة الظاهرة والباطنة قال الله تعالى”لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين “هذه صفة من صفات الرجال 

ومنها أيضاً الصدق مع الله والثبات على المنهج الربانى ،فمن صفات الرجال أنهم يثبتون على المنهج الربانى الذى أنزل الله عز وجل -قال الله تعالى – من للمؤمنين رجال صدقوا ما عهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا”

أي أن هؤلاء الرجال منهم من قضى أى مات على الشهادة ومنهم من ينتظر أن يموت على حسن الخاتمة 

إن الرجولة فى الإسلام لا تقاس بضخامة الأجسام وبها الصور إنما تقاس عند الله عز وجل بمكانتك عنده 

عن على بن أبى طالب رضي الله عنه:قال أمر النبى -صلى الله عليه وسلم -ابن مسعود أن يصعد على الشجرة لكى يأتيه بشئ فصعد ،فنظر الصحابه إلى ساق عبدالله بن مسعود حين صعد ،فضحكوا من دقة ساقيه ،فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -“أتعجبون من دقة ساقيه؟!إنهما أثقل فى الميزان من جبل أحد”

الرجال هم الذين يعلمون علم اليقين أن حال الأمة لايمكن تغيره إلا بصلاح الأفراد وإيجاد الرجال قال الله تعالى”إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم “

لأن عند الأزمات تشتد الحاجة إلى لو جود الرجال الحقيقيين عند الفتن نحتاج إلى رجال يثبتون على الحق و يدافعون عن الحق ولا يخافون فى الله لومة لائم،يقول الله تعالى “قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى فتوكلوا إن كنتم مؤمنين “

سيدنا خالد بن الوليد فى يوم (الحرة)طلب من سيدنا أبى بكر ممداً،فما أمده إلا برجل واحد وهو القعقاع بن عمرو التميمي ،وقال لايهزم جيش فيه مثله وكان يقول:لصوت القعقاع فى الجيش:خير من ألف مقاتل

وأيضاً لما طلب سيدنا عمرو بن العاص المدد من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فى فتح مصر كتب إليه “أنت بعد فأنى أمددتك بأربعة آلاف رجل ،على كل ألف رجل منهم مقام ألاف:الزبير بن العوام ،والمقداد بن عمرو ،وعبادة بن الصامت ،ومسلمة بن مخلد

هذه هى الرجولة حقاً والصحابة عرفوا معنى الرجولة وكيف كان الواحد من هؤلاء الرجال كان يسوى ألف مقاتل

إن الرجال الحق هم من تقوم بهم الدولة لأنهم يحبون بلادهم ويدافعون عنها أننا نحتاج إلى الرجال الذين يثبتون وسط الأزمات التى تعصف بالمسلمين ،الأزمات والفتن التى تجعل الحليم حيران ،نحتاج إلى رجال يبصرون الناس بالدين ،إلى رجال يكونوا قدوة للناس إلى رجال يثبتون الناس على شرع الله

إن القوة ليست بحمل السلاح بقدر ما هى فى قلب الجندي

بل إن ميزان الرجال فى الإسلام ليس المال وليس الجاه وليس المنصب ،إنما الأعمال الفاصلة والأخلاق الحسنة ،والإيمان القوى 

وفى الخاتمه أقول أن الرجولة الحقة أن ينزل المرء إلى ميدان العمل ويكسب ويكد ويتعب لينفع نفسه وأهله ،ويحفظ ماء وجهه ولا يكون عالة على غيره ،أو متشوفاً لأعطيات المحسنين 

Z

من جهته يقول الشيخ محمود سليمان الواعظ بالأزهر الشريف وعضو لجنة الفتوى من الناس اليوم من يظن أن الرجولة عبارة عن فتل الشوارب، وتربية هذه الشنبات وإطالتها، ومن الناس من يظن الرجولة اليوم هي الأخذ بالثارات، وقتل الأبرياء، هي الأخذ بالثار، يقول: هؤلاء ليسوا رجالاً؛ ما أخذوا بثأرهم، هؤلاء رجال؛ أخذوا بثأرهم، فقتلوا فلان، ولو كان ليس له ذنب، ومن الناس من يظن اليوم أن ارتكاب المحرمات هي الرجولة فيزعم أن التدخين رجولة ويعبث بالمحرمات، وينتهك حدود الله ويزعم أن هذه هي الرجولة، ومنهم من يظن الرجولة رفع الصوت، أو الصياح في البيت، وفرض الرأي بقوة العضلات والبطش، وغير ذلك، ومنهم من يظن الرجولة أن ينفخ على الخدم والموظفين، ويطرد من يشاء ويبقي من يشاء، يظن أن هذه هي الرجولة. ولكن الرجولة ليست ارتكاباً للمحرمات، ولا كانت الرجولة يوماً تعني البطش والاعتداء على الأبرياء، وإنما الرجولة لها معاني سامية، وحقائق علوية تأخذ هذا الصنف من الناس فترفعهم.

الرجولة صفة يمتن الله بها على من يشاء من خلقه، كما قال ذلك الرجل المؤمن الذي يعلم صاحبه الكافر، يقول له موبخاً ومقرعاً، ومذكراً له بنعم الله عليه: أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا، هذه الرجولة التي يمتن الله وينعم بها، لها صفات ولها خصائص لا تكتمل إلا بها، ولا تقوم إلا عليها،ا ولذا كان الرسل الذين بعثوا إلى أقوامهم، رجالاً، قال الله : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم )

وهذه الرجولة لها صفات ذكرها الله عز وجل في كتابه وبينها النبي صلى الله عليه وسلم في سنته، فمنها:

أن الرجال هم أهل المساجد حيث يقول الله تعالى واصفاً المسجد الذي ينبغي أن يكون حاله الصحيح، ومن هو بداخله، يقول الله تعالى:( لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِين ) فمكان أولئك الرجال في المسجد فهم رِجَالٌ يأتون إلى المسجد على طهارة، والله يحب هؤلاء الرجال الذين من صفتهم الطهارة، وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ هذه صفة من صفات الرجال.

ومن صفات الرجال أنهم يثبتون على المنهج الرباني الذي أنزله الله ووضعه ليستقيم عليه الناس، ولا يصح أن ينحرف الإنسان عنه يمنة ولا يسرة، قال الله مادحاً هؤلاء الرجال: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)

كذلك من صفات هؤلاء الرجال أنهم يكثرون ذكر الله سبحانه ولا ينشغلون عن ذكره تعالى بأي شاغل من شواغل الدنيا من أمور التجارة والبيع والشراء فيقول تعالى {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37)} فهؤلاء الرجال الذين لم تلههم تجارة ولا بيع عن أي شيء؟ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، قال بعض السلف رحمه الله: يبيعون ويشترون، هؤلاء الرجال، يبيعون ويشترون، ولكن كان أحدهم إذا سمع النداء وميزانه في يده خفضه، وأقبل إلى الصلاة، كان إذا سمع النداء وميزانه في يده -يبيع ويشتري-، فإذا سمع النداء خفض الميزان، وأقبل إلى الصلاة.

ومن صفات الرجولة أن نكون نحن الذين نسمي أنفسنا رجالاً نكون أعواناً للرسل مؤيدين لدعوتهم ، أن نكون مستجيبين لدعوة الرسل متبعين، لا عاصين، ولا معاندين، قال تعالى {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَن لَّا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ (21)}

وعند الأزمات تشتد الحاجة لوجود الرجال الحقيقيين الذين يثبتون الناس على شرع الله.هذه النوعية التي نحتاجها حقيقة اليوم في وسط الأزمات التي تعصف بالمسلمين، الأزمات والفتن التي تجعل الحليم حيران، نحتاج إلى رجال يبصرون الناس بالدين، إلى رجال يكونون قدوة للناس، إلى رجال يثبتون الناس على شرع الله.

ومن صفات الرجال العفة والعفاف عن الحرام فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من السبعة الذين يظلهم في ظله رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله، إذاً الرجولة في العفة والعفاف واجتناب ما حرم الله.

ومن صفات الرجال ذكر الله مع البكاء من خشيته فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من السبعة الذين يظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله«ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه »

فالرجال بصفاتهم عبادة، عمل، استقامة، دعوة إلى الله، صبر على الأذى في سبيل الله، إعانة الرسل، ودعوتهم ونصرتهم، والقيام في مواطن الفتن، وتثبيت الناس على الإسلام ، الرجولة ليست سناً بقدر ما هي صفات وشمائل وسجايا ذكرها الله ورسوله ﷺ.

ومن صفات الرجال: الصدقة في وجوه الخير مع تحري السر فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من السبعة الذين يظلهم في ظله «ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه» 

ومن صفات الرجال الأمانة والقناعة والحكمة: فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كان فيمن كان قبلكم رجل اشترى عقارًا فوجد فيها جرة من ذهب فقال: اشتريت منك الأرض ولم اشتر منك الذهب. فقال الرجل: إنما بعتك الأرض بما فيها، فتحاكما إلى رجل فقال: ألكما ولد؟ فقال أحدهما: لي غلام، وقال الآخر: لي جارية، قال: فأنكحا الغلام الجارية وأنفقا على أنفسهما منه وليتصدق». 

ومن صفات الرجال في السنة المباركة الصبر على الشدائد: فعن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا فقال: «قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه فما يصده ذلك عن دينه، والله لَيَتِمَنَّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون» 

ومن صفات الرجال: السماحة في المعاملة

فعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أدخل الله الجنة رجلاً كان سهلاً بائعًا ومشتريًا» 

فالسماحة في البيع والشراء والاقتضاء تحتاج إلى رجل، فكم رأينا من يبيع ويعود في بيعه من أجل أموال قليلة أو يبيع على بيع أخيه.

والرجولة ليست بالسن المتقدمة، فكم من شيخ في سن السبعين وقلبه في سن السابعة، يفرح بالتافه، ويبكي على الحقير، ويتطلع إلى ما ليس له، ويقبض على ما في يده قبض الشحيح حتى لا يشركه غيره، فهو طفل صغير… ولكنه ذو لحية وشارب، فليست الرجولة بالسن ولا بالجسم ولا بالمال ولا بالجاه، وإنما الرجولة قوة نفسية تحمل صاحبها على معالي الأمور، وتبعده عن سفسافها، قوةٌ تجعله كبيراً في صغره، غنياً في فقره، قوياً في ضعفه، قوةٌ تحمله على أن يعطي قبل أن يأخذ، وأن يؤدي واجبه قبل أن يطلب حقه: يعرف واجبه نحو نفسه، ونحو ربه، ونحو بيته، ودينه، وأمته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى