احتكار السلع بالأسواق و حجب البيع كسب حرام و من أشدّ الظلم، وسببُ فى إفساد العمران
تحقيق. أحمد هلول
الاحتكار حبس السلع عن البيع ويكون الاحتكار بمعناه العام بالتسلط على أموال الناس بشراء ما بين أيديهم بأبخس الأثمان و حجبها عن البيع ، ثم فرض البضائع عليهم بأرفع الأثمان على وجه الغصب والإكراه في الشراء والبيع و هنا يقع مرتكبها فى جرم الكسب الحرام.
أخبار الساعة تفتح ملف الاحتكار للمناقشة و رأى الدين فيه و كيف يؤثر على حركة الأسواق بإفسادها و مدى حرمته عند الله.
فى البداية يقول الشيخ محمد عمر حسن الواعظ بالأزهر الشريف وعضو لجنة الفتوى بالأزهر أن الاحتكار
هو إمساك الطّعام عن البيع، وانتظار الغلاء مع الاستغناء عنه وحاجة النّاس إليه .
وقد اكتسب مصطلح الاحتكار أبعادا جديدة ولم يقتصر مفهومه على الطّعام أو السّلع، وإنّما شمل الخدمات الأخرى والامتيازات الممنوحة للشّركات والأفراد، يؤكّد هذا ما جاء في معجم المصطلحات الاقتصاديّة من أنّ الاحتكار: هو السّيطرة الخالصة على عرض سلعة أو خدمة ما في سوق معلومة أو على الامتياز الخالص للشّراء أو البيع دون مزاحم أو منافس.
ذهب الأحناف والمالكية والشافعية والحنابلة إلى القول بعدم جواز الاحتكار
والاحتكار المحرم بشرطين: أن يكون المحتكر في غنى عنه، و أن يقع ضرر على المسلمين باحتكاره هذا، فإذا توافر الشرطان السابقان في أي سلعة قوتًا كان أو غير قوت فيحرم الاحتكار، إذ أن الدليل في السُّنة عام «لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ»، والمخصص له بالطعام غير صحيح، ولأن العلة من عدم جواز الاحتكار هي الضرر، فمتى وقع الضرر مُنع الاحتكار أما في وقت الرخاء فلا بأس بتخزين السلع إذ أن هذا من عادات التجار، والله سبحانه وتعالى أعلى وأعلم.
والاحتكار من أشدّ الظلم، وسببُ إفساد العمران والدولة، وهو من أكل أموال الناس بالباطل. وليس البيع والشراء كالاحتكار، فالأولان يقومان على المكايسة، وهذا النوع الأخير من التعامل يقوم على الفرض والقسر والإكراه والغصب.
والأدلة على تحريم الاحتكار كثيرة منها: عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يحتكر إلّا خاطىء»
عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من احتكر على المسلمين طعاما ضربه الله بالجذام والإفلاس» ) .
عن ابن عمر- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «من احتكر طعاما أربعين ليلة، فقد بريء من الله تعالى وبريء الله تعالى منه، وأيّما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمّه الله تعالى»
وعلّة تحريم الاحتكار إلحاق الضرر بالناس من فساد الأسواق، ومنع الطعام من الرواج بها، وبطلان معاش الرعايا، وغلاء الأسعار، والزيادة في المكوس والضرائب، وانتشار الفقر والجوع، وقيام شركات الاحتكار، وإلغاء التعامل الحرّ.
وقد واجهت الشريعة هذا التصرّف المقيت بإجراءات وقائية كمنع تلقي الركبان وبيع الحاضر للبادي. وهدفها من ذلك قطع السبل على المحتكرين. وأخرى بطرق علاجية كالسيطرة على المال المحتكر، وتعزير المحتكرين، وجبرهم على البيع، وتسعير البضائع عليهم، وهو دليل على دناءة النّفس وسوء الخلق، ويورث الضغينة والبعد عن النّاس.
ومن قواعد الشريعة الإسلامية أنه “لا يحتكر إلا خاطئ” أي آثم. وأن “الجالب مرزوق والمحتكر ملعون” . وتمتد الحرمة الشديدة إلى محتكري البضاعة الضرورية. وهذا ما حمل فقهاء الملة على مقاومة الاحتكار، وجَعَلهم يحاربونه ولا يسمحون بوجوده، معلنين أنّه من الضروري والواجب إبطاله في الطعام. وصدع عمر بن الخطاب بأن لا حكرة في أسواقنا. وقال مقاوماً لهذه الظاهرة، متعقباً من يعتمدها في تجارته: “لا يعمد رجال في أيديهم فضول من أذهاب إلى رزق من رزق الله نزل بساحتنا فيحتكرونه علينا،
ولكن أيّما جالب جلب على عمود كبده في الشتاء والصيف فذلك ضيف عمر. فليبع كيف شاء وليمسك كيف شاء”
وهكذا نظرت الشريعة الإسلامية إلى الاحتكار من زاوية المصلحة العامة للناس. وجعلت منه محرّماً ومذموماً. نهت عنه وحرّمته على الفرد والدولة، لما فيه من تضييق على الناس في معيشتهم وإضرارٍ بهم. وأباح النظام الرأسمالي الاحتكار للفرد، وبنى عليه نظامه، وأباحته الاشتراكية للدولة (القطاع العام) توفيراً لمواردها المالية ومداً لخزائنها بما تحتاج إليه من موارد .
وواجهت هذا المنكر والتصرّف الخطير تشريعات إسلامية متنوعة. قضت بإبطال الاحتكار وإبطال ما يترتب عليه من نتائج، جاعلة المقصد الأعظم في المعاملات رواج الأموال، وحماية المجتمع والأفراد من عبث العابثين وكيد المحتكرين، ونشر الأمن الاجتماعي، وتوفير أسباب الراحة والسعة في الحياة الفردية والاجتماعية.
هذا وإن في الاحتكار لَمَا يحمل على الهرج والمرج والفتنة. يثير القُوى الشعبيةَ والأفرادَ على تتبع أصحاب هذا العدوان بما ينشرونه من ظلم وكيد. فهو يفضي إلى الخلل والفساد. وبين القصد من البيع والشراء، والقصد من الاحتكار في المعاملات والتجارات وردت الأحكام مشجعة على ضروب الخير في التعامل، ومقاومةِ التصرّفات الظالمة لما تُلحقه بالخاصة والعامة من أضرار.
• لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ
يقول الشيخ محمود سليمان الواعظ بالأزهر الشريف وعضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف مما لا شك فيه أن الإسلام رغَّب في أكل الحلال، فقال تعالى ” يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا”،
ولما كان الرزق متداولاً بين الناس أخذاً وعطاءً كان الحساب عليه يوم القيامة في هذين الاتجاهين حتماً، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (لاَ تزولُ قدَمُ ابنِ آدمَ يومَ القيامةِ من عندِ ربِّهِ حتَّى يسألَ عن خمسٍ: عن عمرِهِ فيمَ أفناهُ، وعن شبابِهِ فيما أبلاَهُ، وعن مالِهِ من أينَ اكتسبَهُ وفيمَ أنفقَهُ، وماذا عملَ فيما علِمَ).
وحذر الإسلام من الوقوع في أكل الحرام سواء كان هذا المأكول أموالًا وحقوقًا للناس، أو طعامًا حرَّم الله تناوله، وفي ذلك يقول الله عز وجل: ” وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ “.
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المتفق عليه: ( إن الحلال بيِّن، وإن الحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثيرٌ من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكلِّ مَلِكٍ حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغه إذا صلَحتْ صلَح الجسدُ كلُّه، وإذا فسَدتْ فسد الجسد كلُّه، ألا وهي القلب).
وصور أكل الحرام كثيرة، أبرزها الاحتكار الذي أصبحنا نعاني من بشدة في هذه الأوقات، والاحتكار معناه: حبس مال، أو منفعة أو عمل، والامتناع عن بيعه وبذله، حتى يغلو سعره غلاء فاحشاً غير معتاد بسبب قلته، أو انعدام وجوده، مع شدة حاجة الناس أو الدولة أو الحيوان إليه.
والمتدبر في احكام الشريعة الإسلامية يرى أنه من خصائص المعاملات المالية في الإسلام مراعاتها لمصالح أطراف المعاملة جميعًا بحيث لا يلحق ضررا مؤثِّرا بأحد الأطراف، وتلك الخصيصة طبيعة لما يمليه العدل الكامل الذي رسَّخته الشريعة الإسلامية، وكل ذلك لأن المعاملات مبناها على التشاحح لا المسامحة، ولأجل تحقيق هذا المقصد نهى الشارع عن بعض الممارسات التي قد تضر بمصالح بعض أطرافها، وسدَّ بطريقة محكمة منافذ هذه الممارسات بما يجفف منابعها.
وورد النهي عن الاحتكار في عدة أحاديث، منها: حديث معمر رضي الله عنه: ( لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ) رواه مسلم، وفي رواية: ( مَنِ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ) ، وحديث أبي أمامة رضي الله عنه: (نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه وَسَلَّمَ أَنْ يُحْتَكَرَ الطَّعَامُ).
والخاطئ هو الآثم، المذنب، أي: لا يفعل هذا الفعل الشنيع إلا مَنْ اعتادت نفسه فعل الخطيئة والمعصية.
ووصف المحتكر بأنه خاطئ ليس أمرًا هينًا، فالله سبحانه وصف فرعون وهامان وجنودهما بأنهم كانوا خاطئين ” إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ”.
ودعا النبي صلى الله عليه وسلم على كل محتكر بأن يبتليه الله بالمرض والإفلاس من جميع الأموال المحرمة التي جمعها من وراء هذه السلوكيات الخاطئة ودعوة النبي صلى الله عليه وسلم مستجابة عن عمر بن الخطّاب- رضي اللّه عنه- قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: ( من احتكر على المسلمين طعاما ضربه اللّه بالجذام والإفلاس).
وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المحتكر ملعون، والملعون هو المطرود من رحمة الله تعالى، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: (الجالب مرزوق والمحتكر ملعون ).
وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الله برئ من هؤلاء المحتكرين والغشاشين جاء في مسند الإمام أحمد، وصححه العلامة أحمد شاكر، عَنِ ابْنِ عُمَرَ – رضي اللّه عنهما- أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (مَنِ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقَدْ بَرِئَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَبَرِئَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ وَأَيُّمَا أَهْلُ عَرْصَةٍ(عرصة -أي: مكان- ) أَصْبَحَ فِيهِمُ امْرُؤٌ جَائِعٌ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ تَعَالَى).
وجاء الوعيد الشديد لمن أدخَل في أسعار المسلمين شيئا ظُلمًا وعدوانًا ليغلِيَه عليهم، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: ثَقُلَ مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ، فَدَخَلَ إِلَيْهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ يَعُودُهُ، فَقَالَ مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( مَنْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْعَارِ الْمُسْلِمِينَ لِيُغْلِيَهُ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ حَقًّا عَلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُقْعِدَهُ بِعُظْمٍ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ).
وأسباب انتشار الاحتكار والاستغلال في مجتمعنا كثيرة، منها:
كثرة الذنوب والمعاصي، وبُعد الناس عن ربهم ودينهم فبعض المسلمين أصبحوا مفرطين في كثير من الأحكام الشرعية، ليس ذلك فقط؛ بل أصبحوا يقعون في بعض الكبائر غير مبالين بغضب الله -تعالى- وسخطه، فعاقبهم الله تعالى بغلاء الأسعار وما يقع ذلك في الناس إلابسبب ذنوبهم، وما أصابك من سيئة فمن نفسك والله سبحانه وتعالى قد أخبرنا أنه لا تصيبنا مصيبة إلا بما كسبت أيدينا قال -تعالى-: ” وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ”.
حب المال، والإكثار منه، فحب المال والحرص على كسبه بأي طريق حتى ولو كان عن طريق الحرام أمر مشاهد للجميع، وخاصة مع انتشار المعاملات الربوية، واختلاط الحلال بالحرام، قال -تعالى-: ” وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً “، وعندما يطغى ذلك على الناس يصبح الأمر خطيراً جدا، ويتسبب في مخالفات شرعية كثيرة، قال -صلى الله عليه وسلم-: (فوالله لا الفقر أخشى عليكم! ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم).
وحل هذه المشكلة يكمن في الآتي:
تربية الضمير على التقوى ومراقبة الله تعالى قال تعالى: “وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ”.
كثرة الاستغفار والدعاء والتضرع الى الله تعالى والتوبة الصادقة والعمل الصالح، فما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة، والاستغفار من أسباب الازدهار فمن سنن الله أن الاستغفار المقرون بالتوبة والإنابة سبب من أسباب الرزق، قال الله تعالى: ” فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً “.
التكافل الاجتماعي وأداء الزكاة والصدقات. فالزكاة عون للفقراء والمحتاجين، تأخذ بأيديهم لاستئناف العمل والنشاط إن كانوا قادرين، وتساعدهم على ظروف المعيشة إن كانوا عاجزين، فتحمي المجتمع من الفقر والدولة من الإرهاق والضعف، وعدم إخراج الزكاة سبب من أسباب البلاء والغلاء، ومن أسباب العداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع لغياب التكافل فيما بينهم، أما إخراج الزكاة فهو سبب البركة وسبب المحبة والمودة بين أفراد المجتمع ولقد كَفَل الإسلام للإنسان الحاجات الأصلية التى تحقق له الحياة الكريمة وتُعينَه على عبادة الله سبحانه وتعالى، لتتفاعل الماديات والروحانيات في إطار متوازن لبناء الجسد وغذاء الروح، حتى أن الفقير الذى لا يملك الحد الأدنى للحاجات الأصلية كفل الله سبحانه وتعالى له حقاً معلوماً في مال الغنى، ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى: “وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ “، وأن تقوم الجمعيات والمؤسسات الخيرية والأفراد بإيجاد الحلول على جميع المستويات لهؤلاء المساكين.