رأى

وأثره على التعاون الإقليمي

9k=

        بقلم: د. أحمد نادي

عميد كلية الدراسات العليا الآسيوية – جامعة الزقازيق


لا شك في أن الاتفاق الذي تم توقيعه في منتصف مارس الماضي بوساطة صينية ، بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية لاستئناف الحوار والعلاقات الدبلوماسية ، وإعادة فتح السفارتين في البلدين، بعد قطيعة دامت سبع سنوات يمثل خطوة أولى إيجابية تخدم مصالح البلدين، وتصب في صالح دول المنطقة التي تشهد تطورات إقليمية ودولية متسارعة . 

هذا الاتفاق سيعمل على تعزيز السلم والأمن في المنطقة التي تشهد عملية إعادة ترتيب، مؤقتة على الأقل، للتحالفات والخصومات القائمة.

إن للتقارب بين القوتان الإقليميتان سيكون له آثارا هائلة إقليمية ودولية مهمة لسنوات قادمة، فقد واجهت السعودية وإيران بعضهما البعض على جبهات متعددة، وإن كان ذلك في الغالب بشكل غير مباشر، وبإعلان توقيع هذا الاتفاق السعودي الإيراني، يمكن توقع جني مكاسب مباشرة وسريعة. أولى هذه المكاسب، خفض وتائر التصعيد في بعض النزاعات الإقليمية، وتخفيف التشنجات في شبه الجزيرة العربية ومنطقة الخليج العربى. كذلك، يتوقع من هذا الاتفاق أن يخفف من المخاوف بشأن تدخل إيران في المنطقة، ودعمها لمجموعات وميليشيات شيعية. إضافة إلى ذلك النتائج إن ما حققه الاتفاق السعودي الإيراني من نتائج ملموسة على أرض ، تمثل فى إتاحة الفرصة أمام نظام بشار الأسد لإعادة ترتيب بيته الداخلي وإقامة علاقات إقليمية جديدة وعودة سوريا إلى الحضن العربى مرة أخرى. فقد ساهمت الحرب السورية إلى حد بعيد في عزل النظام عن سائر العالم العربي، ما دفعه إلى التقرب أكثر من إيران، فتوطدت العلاقة بينهما بشكل كبير. كما يتوقع أيضا أن يدفع هذا الاتفاق دول الخليج الأخرى التي لديها أساسا علاقات دبلوماسية مع إيران إلى العمل على تعزيزها من دون التخوف من نتائج ذلك، فيما سيشجع الدول المترددة على بناء علاقات مع إيران بدورها. كما سينعكس هذا التقارب البلدين إيجابيا على عدد من الملفات السياسية في المنطقة، والتي تلعب فيها الدولتان دورا مهما، فمن المتوقع أن تتحقق في القريب العاجل تحويل الهدنة الراهنة في اليمن إلى حل سلمي دائم. ومن المكاسب التي يحتمل أن تتحقق أيضا عدم تعارض الرؤى المواقف تجاه بعض القضايا الإقليمية الساخنة، وبصفة خاصة الموقف تجاه القضية الفلسطينية، وفى سوريا واليمن… فالتقارب السعودي الإيراني سيؤدى لحدوث انفراجات في هذه الملفات وغيرها من الملفات الأخرى، خاصة ملف اليمن، فقد ينعكس الاتفاق بين البلدين على الوصول لاتفاق بخصوص هدنة جديدة في اليمن في أدنى الأحوال. إضافةً إلى ذلك، سيبني الاتفاق على المفاوضات المتواصلة بين السعودية والحوثيين بشأن وقف إطلاق النار في اليمن ليفضي على الأرجح إلى بلوغ حل سلمي للصراع، ما من شأنه أن يسمح بتدفق المساعدات الإنسانية إلى اليمن الذي تمزقه الحرب، ويطلق عملية إعادة الإعمار هناك.

كما أن تحسين العلاقات وتعزيز حالة الثقة بين الطرفين من شأنه أن يتيح فرصا أفضل في اتجاه علاقات أكثر قوة واستقرارا، وينقل مستوى العلاقة بينهما من التنافس إلى التعاون والتنسيق المشتركين في معالجة أزمات المنطقة. أما النتائج البعيدة المدى المحتملة، فتشمل تسهيل حدوث انفراجات سياسية تدريجية في كل من العراق ولبنان، وإفساح المجال أمام إيران ودول الخليج العربى للتفاوض الجاد حول الترتيبات الأمنية في الخليج. كذلك يمثل الاتفاق صفعة سعودية للخطط الأمريكي الإسرائيلي الذي يهدف إلى بتدشين تحالف إقليمي عربي إسرائيلي ضد إيران. ويبدو أن السعودية تريد أن تنأى بنفسها عن تداعيات أي هجوم إسرائيلي يستهدف المنشآت النووية الإيرانية في ظل تقارير عن وصول نسبة تخصيب اليورانيوم في المفاعلات النووية الإيرانية إلى 85 بالمائة، واقترابها من نسبة  90 بالمائة المطلوبة لصنع سلاح نووي.

كما يمثل الاتفاق السعودي الإيراني مكسبا سياسيا مهما لإيران التي تعاني من اضطرابات داخلية أعقبت وفاة الشابة مهسا أميني في سبتمبر الماضي، وتنظر بريبة تجاه لعب الغرب مؤخرا بورقة المعارضة الإيرانية في الخارج، والذي تجلى في استضافة واشنطن لاجتماع رموز من المعارضة الإيرانية، ودعوة عدد من المعارضين للمرة الأولى،  لحضور مؤتمر ميونخ للأمن دون دعوة المسئولين الإيرانيين، واستقبال ماكرون للمعارضة مسيح نجاد، وإشادته باجتماع المعارضة الإيرانية في واشنطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى