” نورماندي 2 ” و” أمريكا “
ريتا بدر الدين تكتب :
في السادس من شهر يونية (حزيران)سنة 1944 تم إنزال قوات الحلفاء الذي يتضمن القوات الأمريكية بشكل كبير جدا على شواطئ الساحل الشمالي الفرنسي المسمى بالنورماني ،ويعتبر هذا الإنزال الضخم هو الذي حسم النصر للحلفاء وألحق الهزيمة بألمانيا النازية ليتغير مجرى التاريخ في أوروبا ، وأصبح ذلك اليوم وهذا الإنزال هو يوم النصر، وجرت العادة كل سنة الاحتفال بهذه الذكرى المجيدة في تلك المنطقة، وتوجه فرنسا الدعوة لعدد كبير من الدول للمشاركة لإحياء هذه الذكرى ، وقد جرت العادة وأصبحت عرفا ،هو حضور رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ،مزيدوكلنا يعلم أن دعم ومشاركة أمريكا هو الذي حقق النصر وحسم المعركة ، ورسم السياسة الدولية لأوروبا، وظهرت الزعامة الجديدة واتسع الدور الأمريكي وتقلص النفوذ الإنكليزي.
هذا المشهد المأساوي عبر عنه الرئيس بايدن عدة مرات وطلب من نتانياهو توخي الحذر والرجاء من تقليل عدد القتلى – شىء مضحك للأسف – ، ماهذه السياسة العجيبة الغريبة!!!؟؟ أين الحل؟ من الذي يوقف هذه الحرب المدمرة ؟ كلنا يعرف لو أن الإدارة الأمريكية أخذت موقفا صارما وحازما وأوقفت إرسال الأسلحة لإسرائيل ، حتما سيتوقف إطلاق النار، وإني أرى استنكار وتنديد وتضامن من العالم كله والشعوب كلها والمحاكم الجنائية الدولية مع الشعب الفلسطيني المظلوم ، وأيضا الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية والحقوق المشروعة لهم، كل هذا وأمريكا تقدم حلولا مسحوبة الدسم، أي بدون لهجة شديدة وعين حمراء للجانب الإسرائيلي، وهذا الاحتفال القائم الآن في النورماندي ألا يحث ويحرك مشاعر أمريكا وغيرها على الإسراع والحث وتنفيذ وقف إطلاق النار في قطاع غزة .
في الوقت نفسه نرى عظمة الموقف المصري الذي قدم المساعدات الإنسانية ووضع الخطط والحلول لإنقاذ الشعب الفلسطيني وثبات الموقف المصري في التحرك الدبلوماسي لإيجاد الحلول لتحقيق السلام ، فمصر هي هي منذ العهد الملكي ، قدمت الكثير والكثير ولاتزال مصرة على حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية وهذا الحل العادل الذي يحقق السلام والأمن في المنطقة
القيادة المصرية الحكيمة والرشيدة هي صاحبة الفكر العاقل الوسطي الذي يبني ولايهدم ، يتقدم ولايتخلف ، فمن المستحيل أن تحل القضايا بالفكر المتطرف، لذلك لابد أن تستبعد الأحزاب الإسرائيلية المتطرفة والمتحجرة عن المشاركة في المفاوضات ، فالمجتمع الدولي أشاد بالموقف المصري ووثق بحسن اداراته لحل هذه القضايا الهائلة والمعقدة والصعبة… لنعود إلى سواحل النورماندي ، حيث يقف الرئيس جو بايدن متأملا ومسترجعا مشاهد الحرب العالمية الثانية،
فكل موجة من مياه البحر تحكي حكايات الشعوب التي راحت ضحية الحروب المدمرة، وهذا التأمل ألا يجعل الرئيس بايدن يفكر في مصير شعب غزة الذي يعاني ويقتل ويدمر بيته؟ المشهد هو هو، والحل والحسم بيد أمريكا إذا أصرت على وقف إطلاق النار بدون ذبذبة وهشاشة موقف .
(شر البلية مايضحك)
احد مشاهد فيلم “ابن حميدو” يقف المعلم حنفي (عبدالفتاح القصري )شيخ الصيادين ومعه زوجته وافراد عائلته على شاطىء البحر وبحضور عدد كبير من الصيادين احتفالا بالمركب خاصتهم “النورماندي 2” والطريف في الأمر أن زوجة المعلم حنفي كانت ولاتزال المتسلطة والمستقوية وصاحبة السلطة والكلمة النافذة أمام زوجها الذي يعترض على مواقفها، لكن لايسطيع أن يفرض رأيه وموقفه وسلطته عليها، فكان دائما يرد ويجاوب بصوت عالي جدا “كلمتي مش حاتنزل الأرض أبدا” وحين ترمقه زوجته بنظراتها المخيفة “يقول: “خلاص حاتنزل المرة دي ، لكن المرة الجاية مش حاتنزل أبدا”، وهكذا يتكررهذا الموقف إلى أن نصل للمشهد النهائي للفيلم وهو التمرد واستعادة الموقف الصارم والشديد والشجاع من المعلم حنفي حين رد على زوجته المتسلطة بقوله : “كلمتي مش حاتنزل الأرض أبدا أبدا ، وأرفق هذه العبارة بصفعة على وجهها، فياليت الرئيس بايدن يتمسك بكلمته وقوته وصرامته وحزمه وفرض وقف إطلاق النار على من يقتل الأبرياء والآمنين ، وليحل السلام والأمان بالمنطقة والحل العادل هو الحل الذي لاجدال عليه.
ولعل الأهوال والمعارك العسكرية التي خاضتها الجيوش ودفع ثمنها الشعوب ، جعلتنا نحن عندما كنا تلامذة نقرا التاريخ نؤمن إيمانا قاطعا على استحالة تكرار هذه التجارب المريرة، وما التاريخ سوى مدرسة نتعلم منها تجنب الحروب المدمرة والسعي بالجهود لتحقيق وتوفير السلم والأمن والأمان، هكذا رسخ في ذهننا ووجداننا بما معناه أن الحروب تعني الماضي ويستحيل أن تحصل في الحاضر والمستقبل ،وكما يقول المثل “اللي جرب المجرب بيكون عقله مخرب”، لكن حرب قطاع غزة أثبتت أن الحروب لاتحد بالزمان بل تتكرر ومشاهد الحرب العالمية الثانية بما تحتويه من تدمير وقتل وإبادة هي هي في غزة وبقية المدن الفلسطنية ، يالله ، ماهذا الدمار ماهذا الإجرام ؟!، كل لحظة يقع مئات القتلى من المدنيين الآمنين، إسرائيل تبحث عن إبرة بكومات القش فتحرق الناس جميعا لتصل لفرد واحد من حماس ، العالم كله استنكر وندد بهذه الحرب الهمجية الممنهجة لإبادة الشعب الفلسطيني انتقاما من الفشل بالوصول لأهداف الحرب وهو هزيمة حماس وإعادة المخطوفين.