مقالات

كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي على السياسة؟

 

أصبح الذكاء الاصطناعي ، مع التحول الرقمي السريع، أداة رئيسة في المجال السياسي، ويفرض نفسه من الآن فصاعدًا كإحدى الأسلحة الاستراتيجية في المنافسة العالمية بين الدول.

يمارس الذكاء الاصطناعي من الآن فصاعدًا تأثيرًا على كل جوانب الحياة، وتشمل الميدان السياسي، حيث نلاحظ آثارًا مباشرة في مختلف المجالات كالانتخابات، والحروب، وصنع القرار، والسياسات العامة.

“إن الذكاء الاصطناعي يقدم أدوات قوية لتعزيز اتخاذ القرار في المجالات الدبلوماسية، والتنبؤ الاقتصادي، والتحليل التجاري، بالإضافة إلى تأثيره على الحروب والانتخابات. إن نماذج الذكاء الاصطناعي تتميز بدقة توقعاتها ورؤاها الاستراتيجية التي تتخطى الطرق التقليدية”، تؤكد د. مريم وحيد، أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة، في دراستها المعنونة: «السياسة في عصر الذكاء الاصطناعي».

وقد أثارت الدراسة العديد من الأسئلة: هل يشكل الذكاء الاصطناعي أداة لتعزيز قوة الدول أم تهديدًا للأنظمة السياسية الديمقراطية؟ هل ستستبدل الآلة الإنسان في وضع السياسات؟ وما هي الحدود إن وجدت؟

إن التطورات التكنولوجية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي قد أحدثت إشكاليات حديثة مثل التأثير على تداول المعلومات، والتضليل الإعلامي، والحروب والنزاعات المسلحة، وهو ما يفرض إعادة الاعتبار إلى مفهوم القوة وتوازن القوى بين الدول، وكذلك بين الأفراد داخل المجتمعات المختلفة. وهذا صحيح بشكل خاص لأن الذكاء الاصطناعي أصبح عنصرًا أساسيًا في قوة البلدان ذات البنية التحتية التكنولوجية المتقدمة.

تمارس الدول حاليًا منافسة للاستثمار في الاكتشافات العلمية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي. وقد استخدم العديد منها هذه التقنية في المجال السياسي، وخاصة في الانتخابات والحروب ولدعم التنمية. بالإضافة إلى ذلك، فإن زيادة فاعلية وقدرات الذكاء الاصطناعي قد أثرت بقوة على سير الانتخابات في العديد من البلدان، كما هو الحال في الولايات المتحدة.

وقد أشارت العديد من الدراسات أيضًا إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يسهم في نشر معلومات خاطئة قد تؤثر على عملية فرز الأصوات. فالذكاء الاصطناعي يمكن أن يعرقل النظام البيئي للشبكات الاجتماعية عن طريق زرع الارتباك بين الناخبين وتضخيم التضليل الإعلامي، من خلال إنتاج صور غير واقعية وفيديوهات مزيفة باستخدام تقنيات التزييف العميق في الحملات الانتخابية.

ولمواجهة ذلك، تبنت 26 ولاية أمريكية قوانين تؤطر استخدام هذه الفيديوهات المزيفة. وقد اختارت بعض الولايات أساليب تهدف إلى منعها أو اشتراط المصادقة عليها؛ فقد حظرت كل من ولايتي مينيسوتا وتكساس بثها في الأيام التي سبقت الانتخابات.

بالإضافة إلى ذلك، فإن استخدام الذكاء الاصطناعي في الحياة السياسية قد أثار سلسلة من الإشكاليات، خاصة أثر ما بعد الحداثة على القيم السياسية الراسخة. إن الذكاء الاصطناعي يطرح في الحقيقة تساؤلات حول مفاهيم مثل السلطة، والعدالة، والتمييز، والديمقراطية، والمساواة بين البشر، وهو ما يفرض إعادة التفكير في الطريقة التي تؤثر بها هذه القيم.

وقد حذر خبراء من ظهور شكل جديد للسلطة يسمى “قوة الذكاء الاصطناعي”. فالذكاء الاصطناعي هو في الأساس سياسي، لأنه يتناول العديد من الأسئلة السياسية كعدم المساواة، والديمقراطية، والسلطة، وما بعد الإنسانية.

صنع القرار السياسي

يرى الخبراء أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساند المسئولين السياسيين في اتخاذ قراراتهم. فقد صُممت برامج الذكاء الاصطناعي لتقليل عدم الثقة بشأن نتائج القرارات، كما تشارك في التنبؤ، ومساندة صانعي القرار، وتحسين رؤاهم لتسهيل عملية اتخاذ القرار.

وفي اليابان، استُجوب نائب رئيس الوزراء بأسئلة مقترحة بواسطة “شات جي بي تي”، بينما في فرنسا حرّر إنسان آلي تعديلًا لمشروع قانون متعلق بالألعاب الأولمبية لعام 2024. وقد عينت ألبانيا وزيرًا مسؤولًا عن المشتريات العامة تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي.

تشير بعض الدراسات إلى أن خوارزميات التعلم الآلي يمكن أن تنتج قرارات سياسية أفضل من العناصر البشرية. ففي عصر وفرة المعلومات والاكتشاف التكنولوجي، يجب أن تكون القرارات التي يوجهها الذكاء الاصطناعي أكثر سرعة ودقة، وبالتالي أكثر فائدة للمجتمع. وقد اقترح العديد من الباحثين استبدال السياسة التقليدية بأساليب مبنية على الذكاء الاصطناعي.

الذكاء الاصطناعي سلاح كبير

على مستوى النزاعات المسلحة، تلجأ الدول إلى التكنولوجيا المتطورة وبرامج الذكاء الاصطناعي لتعزيز عمليات اتخاذ القرار المرتبطة بالحرب. لقد أصبح الذكاء الاصطناعي سلاحًا مهمًا في سباق التسلح، ويؤثر بعمق في الديناميكيات العسكرية بين القوى العظمى. وتحذر مريم وحيد من أن هذا السباق للتسلح قد يهدد السلام والأمن الدوليين، وتؤكد على الأهمية المتزايدة للدول في استخدام الذكاء الاصطناعي لتعزيز قوتها العسكرية وتطبيق تكنولوجيا حديثة للدفاع والأمن والردع في الفضاء الإلكتروني والمراقبة واللوجستيات.

وقد أعربت منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان أيضًا عن قلقها تجاه تطور أنظمة الأسلحة القابلة لتحديد الأهداف ومهاجمتها بطريقة ذاتية، استنادًا إلى بيانات الاستشعار دون تحكم أو موافقة الإنسان.

وأكدت أن الآلة، وليس العنصر البشري، هي التي تحدد من الآن فصاعدًا متى وأين وبأي كثافة يُستخدم السلاح، وهو ما يثير تساؤلات عميقة أخلاقية وقانونية وأمنية في ضوء القانون الدولي لحقوق الإنسان.

وعلى سبيل المثال، فقد سمح الذكاء الاصطناعي للجيش الإسرائيلي بضرب قطاع غزة بكثافة غير مسبوقة، من خلال توليد آلاف الأهداف يوميًا، بما في ذلك المقاتلات والمباني والبنية التحتية بواسطة خوارزميات متقدمة.

بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يحل الذكاء الاصطناعي محل اتخاذ القرار البشري في العديد من المجالات، بما في ذلك المحاكم، بفضل استخدامه في التحقيقات القضائية لتسريع الإجراءات وتقليل الأخطاء البشرية.

لهذا تدعو مريم وحيد إلى وضع حدود للذكاء الاصطناعي لضمان ألا يؤثر سلبًا على البشرية. ويمكن أن يشكل الذكاء الاصطناعي تهديدًا خطيرًا إذا ما استُخدم للتمييز، أو التأثير على العملية الانتخابية، أو خرق حقوق الملكية الفكرية التي تمس الكرامة والاستقلالية البشرية، أو انتهاك الخصوصية. وقد أكدت مريم وحيد أن العالم شهد العديد من الخروقات الناتجة عن استخدام الذكاء الاصطناعي في مناطق النزاع المسلح في الآونة الأخيرة.

ولنختم: “يجب أن تكون أنظمة الذكاء الاصطناعي شفافة، ومسؤولة، وأخلاقية، من أجل تجنب الآثار الضارة على نتائج السياسات وأضرارها المحتملة”.


المصدر:

https://french.ahram.org.eg/NewsContent/54/2454/70954/AlAhram-Hebdo/I-A/Comment-l%E2%80%99intelligence-artificielle-impactetelle-l.aspx

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى