مقالات
زهرة شوشة تكتب: إشهار سلاح الوعي


بسم الله الرحمن الرحيم {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا}.
في زمن تتسارع فيه وتيرة الأحداث وتتناثر فيه الأخبار من كل حدب وصوب أصبحت الشائعات والأخبار المضللة سلاحا فعالا في يد كل من يسعى لهدم المجتمعات أو تشويه الحقائق. ولعل المصدر الأساسي لهذا الخطر المتفاقم هو “الجهل” ذلك الجهل الذي يملأ فراغات الوعي ويجعل من العقول بيئة خصبة لاستقبال كل ما هو كاذب أو مشكوك فيه دون تمحيص أو تدقيق.
لم تعد الشائعة مجرد كلمة تقال في جلسة ضيقة بل تحولت إلى عاصفة إلكترونية تنتقل عبر الهواتف المحمولة ومواقع التواصل الاجتماعي بسرعة تفوق سرعة الضوء. منشور واحد غير موثوق أو تغريدة مشبوهة قد تشعل فتنة أو تشكك في إنجاز وتتحول فجأة إلى ما يشبه الحقيقة المسلّم بها. لكن الحقيقة كما يعلم العقلاء لا تولد من ضجيج الظنون بل من صمت التحقيق والتوثيق. وما يثير القلق أن بعض من يسهمون في نشر الشائعات لا يفعلون ذلك بقصد الإساءة بل أحيانا بدافع الفضول أو بدافع المشاركة العفوية “بحماقة” غير مدركين أن كل مشاركة لمعلومة كاذبة تسهم في تضخيمها وتعميق أثرها السلبي.
وهنا يكمن الخطر الحقيقي فى أن يتحول الناس إلى أدوات دون قصد في نشر الأكاذيب وتزييف الوعي الجمعي. ونحن اليوم أمام تحد لا يقل خطورة عن أي تهديد أمني أو اقتصادي هو تحدي الوعي. فمواجهة الشائعات لا تكون بالصمت أو الإنكار بل بالمعرفة والتمحيص بإعلاء قيمة السؤال لا الانقياد الأعمى. أن نتساءل من قال؟ ولماذا؟ وهل هناك مصدر موثوق فيه؟ وأن نملأ فراغ الجهل هذا بالعلم والتربية الإعلامية بثقافة التحقق وبعيون لا تكتفي برؤية السطح و آذان لا تلتقط كل ما يقال وتكرره بإضافة “نكهاتها” الخاصه. فلا بد أن ندرك أن المعركة على العقول لا تدار فقط من خلف الشاشات بل من المدارس ومن بيوتنا ومن إعلام مسؤول ومن منصات تحترم عقل المتلقي ولا تستغله. وإذا لم نتقن فن التمييز بين الحقيقة و الزيف فسنظل أسرى لحروب نفسية ناعمة تدار بخبث وتستهدف استقرارنا من الداخل دون طلقة واحدة.
إن ملء فراغ الجهل لا يكون إلا بسلاح الوعي، والوعي لا يُشترى ولا يُمنح بل يُبنى بالتدريب المستمر على التفكير النقدي وبالإصرار على ألا نكون مجرد صدى لما يقال بل صوتا للحقيقة أينما كانت وكيفما كانت.
فلنكن حراس الحقيقة في زمن الزيف ولنشهر سلاح الوعي لمواجهة الخطر. فالوعي هو الحصن الأخير الذي نحتمي به من طوفان الأكاذيب وهو الحق الذي يبقى مهما علا صوت الزيف.



