د. محمد سليمان يكتب: كازاخستان واتفاقات أبراهام.. انتصار وهمي بعد هزيمة نيويورك

بعد أيام من الهزيمة السياسية المدوية لحزب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ولاية نيويورك، إثر فوز السياسي المسلم زهران ممداني بمنصب عمدة نيويورك ليصبح أول مسلم وأصغر حاكم في تاريخ الولاية، حاول ترامب تحويل الأنظار عن تلك الصفعة الانتخابية عبر الترويج لانتصار دبلوماسي وهمي، بإعلانه انضمام كازاخستان إلى “الاتفاقات الإبراهيمية”.
الخطوة التي رُوّج لها في الإعلام الأمريكي والإسرائيلي على أنها “إنجاز جديد للسلام”، لا تحمل في الواقع أي جديد، فـكازاخستان تقيم علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل منذ عام 1992، ولها سفارة في تل أبيب كما لإسرائيل سفارة في أستانا منذ التسعينيات، وبالتالي، فإن ما يجري الحديث عنه ليس تطبيعًا جديدًا، بل تغليفًا سياسياً لاتفاق قائم منذ أكثر من ثلاثة عقود.
يحاول ترامب من خلال هذه الخطوة إحياء مشروع “الاتفاقيات الإبراهيمية” الذي تراجع بريقه في السنوات الأخيرة، خاصة بعد الجرائم المروعة التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة والضفة وجنوب لبنان، حيث لم تتوقف عمليات القتل والتجويع والاغتيال ضد المدنيين من أطفال ونساء.
وفي ظل هذه الصورة القاتمة، يسعى ترامب ومعه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى تبييض وجهيهما أمام المجتمع الدولي من خلال ما يصفانه بـ”توسيع دائرة السلام”، في حين أنها في الحقيقة محاولة لتجميل الاحتلال وتلميع الجرائم.
من الناحية العربية، يبقى الموقف واضحًا، فـالمملكة العربية السعودية أكدت أنها لن تنضم إلى أي اتفاق تطبيع قبل قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967. وهو موقف يعكس الالتزام العربي الراسخ بالقضية الفلسطينية باعتبارها جوهر الصراع في المنطقة، ورفض تحويلها إلى ورقة انتخابية أو سياسية في يد أي طرف،ربما تكون سوريا رغم نفيها قادمة بعد قرار مجلس الأمن برعاية أمريكية بشطب اسم الرئيس السوري أحمد الشرع، ووزير داخليته أنس خطاب، من قائمة العقوبات.
أما بالنسبة لكازاخستان، فالخطوة تحمل دوافع رمزية داخلية أكثر من كونها تحركًا استراتيجيًا، فهي دولة تسعى إلى تحقيق توازن في علاقاتها بين روسيا والصين والغرب، وقد وجدت في “الاتفاقيات الإبراهيمية” فرصة لإرضاء واشنطن دون الإضرار بمصالحها الإقليمية.
ولتبقى الحقيقة واضحة مهما حاول ترامب ونتنياهو تسويق انضمام كازاخستان كإنجاز دبلوماسي، فإن ذلك لا يغيّر شيئًا من الواقع على الأرض، فالقضية الفلسطينية ما زالت تنتظر العدالة، والاحتلال ما زال قائمًا، والجرائم مستمرة.

