د. محمد سليمان يكتب: أمريكا والصين.. من يربح معركة امتلاك تيك توك؟
لم يعد تطبيق “تيك توك” مجرّد منصة للتسلية أو تبادل مقاطع الفيديو القصيرة، بل تحوّل إلى ملف سياسي واقتصادي شائك بين أكبر قوتين في العالم: الولايات المتحدة والصين.
فبعد شهور من المفاوضات المتوترة والتهديدات بالحظر أو البيع القسري، أعلن وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسينت، أمس، التوصّل إلى “إطار اتفاق” مع الصين بشأن مستقبل التطبيق، على أن يستكمل الرئيسان الأمريكي دونالد ترامب والصيني شي جينبينغ تفاصيله خلال مكالمة مرتقبة الجمعة القادمة.
هذا الإعلان يؤكد أن “تيك توك” لم يعد شأناً تكنولوجياً فحسب، بل ورقة ضغط في معركة النفوذ بين واشنطن وبكين، فمنصة تضم أكثر من مليار مستخدم حول العالم، بينهم عشرات الملايين من الشباب العربي، وتدرّ عوائد بمليارات الدولارات سنوياً، لا يمكن تجاهلها في معادلة الاقتصاد العالمي.
أرقام تكشف حجم الصراع
تقدّر أرباح “تيك توك” السنوية بأكثر من 20 مليار دولار، منها مليارات تتدفق إلى الخزائن الصينية عبر الشركة المالكة “بايت دانس”. في المقابل، تجني الولايات المتحدة مكاسب غير مباشرة هائلة، سواء عبر الإعلانات الموجهة أو عبر الشركات الأمريكية التي ترتبط بالمنصة كشركاء أو مزوّدين للتقنيات السحابية. وبالتالي، يصبح السؤال المطروح: من المستفيد الأكبر؟ الصين التي تمتلك المنصة وتسيطر على بيانات المستخدمين؟ أم أمريكا التي تريد ضمان أن تبقى الأرباح وبيانات مواطنيها تحت رقابتها؟
أسباب الخلاف
الولايات المتحدة تبرّر موقفها بـ”المخاوف الأمنية” من استخدام بيانات الأمريكيين في أغراض استخباراتية. بينما ترى الصين أن واشنطن تحاول فقط إضعاف شركتها العملاقة لحماية منافسين أمريكيين مثل “إنستغرام” و”يوتيوب شورتس”. ومن هنا، باتت كل مفاوضة بشأن “تيك توك” جزءاً من الحرب الباردة التكنولوجية بين العملاقين.
المواطن العربي .. المشاهد والدافع للربح
اللافت أن ملايين العرب يقضون ساعات يومياً على “تيك توك”، يستهلكون المحتوى أو يشاركون فيه، بينما تذهب الأرباح إلى جيوب الشركات الكبرى في بكين ووادي السيليكون. العرب يوفّرون المشاهدات والتفاعل، لكنهم يظلون خارج دائرة المستفيدين الحقيقيين من مليارات الدولارات التي تجنيها المنصة. هذا يعكس الفجوة بين مجتمعات تستهلك التكنولوجيا وتعتبرها أداة للترفيه، وأخرى تحوّلها إلى أدوات نفوذ سياسي واقتصادي.
أهمية الاتفاق المرتقب
التوصل إلى “إطار اتفاق” بين أمريكا والصين يعني أن التطبيق سيواصل عمله بلا تهديد فوري بالإغلاق أو الحظر، ما يطمئن مئات الملايين من المستخدمين. لكنه في الوقت نفسه يكرّس حقيقة أن شركات التكنولوجيا لم تعد شركات عادية، بل أدوات استراتيجية تتحكم في الإعلام والرأي العام وتؤثر حتى على القرارات السيادية للدول.
وفي المحصلة، فإن صراع واشنطن وبكين على “تيك توك” ليس مجرد خلاف تجاري، بل اختبار لمستقبل الهيمنة الرقمية في القرن الحادي والعشرين. وبينما تتفاوض القوتان على من يربح أكثر ومن يسيطر على البيانات، يظل المواطن العربي مجرد “رقم” في معادلة المشاهدات، يدفع وقته واهتمامه ليجني الآخرون الأرباح. وربما آن الأوان للتساؤل: متى نتحول من مجرد مستهلكين للتطبيقات إلى صانعين لها؟