مقالات

د. أيمن السيسي يكتب: الإفتراءات ضد موريتانيا تبعثرها رياح الصحراء

 

akhbarelsaa.com GwebIWjY

 

 

 

 

 

 

    د. أيمن السيسي

 

تتعدد الحملات العدائية ضد موريتانيا في إطار الحرب الدائرة تحت رمال الصحراء بين الجانبين الأطلسي (أوروبا وأمريكا)، والأوراسي (الصين وروسيا) لأهمية موقعها الإستراتيجي الذي يمثل لأمريكا ما تمثله أوكرانيا لروسيا، حيث تقع بانحراف قليل في مواجهة الأراضي الأمريكية على الساحل الشرقي للمحيط الأطلنطي، كما أنها البلد الوحيد في دول جنوب الصحراء التي لم تستجب، ولم ترضخ للضغوط الروسية  بالدخول إلى أراضيها بنفس صيغ وشكل التواجد الروسي في باقي بلدان الساحل الأفريقي، من تشاد وحتى مالي، ولم تستفزها  تحرشات “الفيلق الأفريقي”  (فاجنر سابقا) برفقة الجيش المالي ضد مواطنيها في قراها الحدودية في الشرق.

 

وكان لقاء الرئيس الموريتاني ولد الشيخ الغزواني برفقة رؤساء أربع دول غرب أفريقية مع الرئيس الأمريكي ترامب في البيت الأبيض قبل شهرين –في تقديري– من أسباب زيادة التوجس من موريتانيا والهجوم عليها بادعاء أنها  سمحت بمرور أسلحة أوكرانية إلى الجيش الأزوادي، لأن القوات الروسية مُنيت بأكثر من هزيمة “مذلة” على يد الجيش الأزوادي في “تنزواتين”  ثم موقعة “أنومالان” أول اشتباكات بين وحدة من جيش تحرير أزواد ودورية تابعة للفيلق الإفريقي، قوات أزواد قرب كيدال، حيث غيرت هاتان المعركتان ملامح وطرق الصراع في الصحراء الكبرى، وبدأت الادعاءات  تنتشر عبر مصادر إعلامية دولية نقلا عن إعلام النظام المالي في باماكو لمحاولة تبرير هزائمه المخزية على أيدي الجيش الأزوادي وجماعتي النصرة وداعش، أصبحت الأخيرة على مقربة من باماكو العاصمة المهيأة أصلا للسقوط، حيث تتصارع الأجنحة الحاكمة فيها على التمكين في الحكم ولا تتنافس على انتشال البلاد من وضع الفشل الذي تعانيه، وتردي الخدمات للموطنين الذين يعانون من انقطاع الكهرباء والمياه وسوء الأحوال المعيشية وانعدام الأمن.

 

وهنا سنطرح تساؤلات قد تجيب على هذه الحملة ضد موريتانيا، أولا: أليست الصحراء من دارفور وحتى أزواد مرتعا لجماعات التكفير وعصابات التهريب؟ ألا تتواجد غرب ليبيا أغلب الدول الأوروبية بأجهزتها وأسلحتها ومنها فرنسا وأوكرانيا؟ ألم تتدفق من الجنوب الليبي جميع أنواع الأسلحة التي سُرقت من مخازن القذافي بعد سقوطه؟ -وكنت شاهدا عليها آنذاك عام 2012- ، أليس  للعصابات التي تشرف وتشارك في تهريب الأسلحة  الإماراتية -التي تتدفق على ميليشيات حميدتي عبر مطار أم جرس في تشاد- نصيبا منها؟، أليس لديها تكليفا بتهريب بعضها إلى أزواد؟، خصوصا أن هذه الميليشيا تضم عناصر كثيرة من مرتزقة  النيجر ومن مالي؟

 

ألم تستخدم الإمارات –كما سبق لقطر أن استخدمت في أزواد والنيجر– حجة العمل الإغاثي وتقديم الدعم إلى اللاجئين السودانيين؟  وادعت أنها تخفف معاناتهم من خلال  هيئة الهلال الأحمر الإماراتي ومؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية ومؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية ومكتب تنسيق المساعدات الإماراتية، وزعمت أنها قدمت الدعم والعلاج  لعدد 6 آلاف لاجئ سوداني رغم أن عدد اللاجئين السودانيين الذين سُجلوا في أم جرس منذ بداية الحرب لم يتجاوز 250 لاجئا -وفقاً لوكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة-، ألم يفضحها تقرير للجنة خبراء للأمم المتحدة، مقرا أن الإمارات قدمت إمدادات عسكرية عبر مهبط  طائرات في تشاد (أم جرس) لقوات الدعم السريع عبر عدد من الطائرات التي تديرها شركات طيران تتهمها الأمم المتحدة بنقل أسلحة قادمة من الإمارات إلى ليبيا؟، ألم يصبح هذا  الكلام من نافلة القول؟ ومن نافلة القول أيضًا أن الصحراء مفتوحة تمرح فيها عصابات التهريب والتكفير بما يمكنها من التحكم في مساراتها، ومن نافلة القول أيضًا أن التقارب البراجماتي الواضح الآن بين جبهة النصرة وداعش مع الحركات الأزوادية، واتفاقهما على هدف واحد يجعل تهريب السلاح (الإماراتي) من ليبيا وتشاد أيسر من سفر مواطن عبر القطار بين مدينتين.

 

فلماذا يتهمون موريتانيا؟! هل لأنها رفضت ضغوط الإمارات لركوب قطار التطبيع والانضمام لحظيرة الديانة الإبراهيمية، وهل لذلك علاقة بزيارة الوزير الإماراتي شخبوط إلى باماكو في مايو الماضي ولقاء أسيمي جويتا “الرئيس” الانتقالي، قبل الإعلان عن تهريب موريتانيا لأسلحة أوكرانيا إلى أزواد!

 

ومن خلال معرفتي بطبيعة الصراع في أزواد وأحوال الطوارق والعرب فيها، وعلاقتهم بموريتانيا التي فتحت لهم أبوابها للهرب من مذابح فاجنر والجيش المالي واللجوء إلى أراضيها (أكثر من مائتي ألف لاجئ أزوادي في مخيم إمبره وبلديتي فصالة وباسكنو وقراهما) فلا أعتقد أنهم يورطون موريتانيا معهم بتمرير أسلحة من خلال أراضيها وخوفا على لاجئيهم من الضرر من ردة فعل النظام الموريتاني، كما أن موريتانيا لا يمكن أن تتورط في مثل هذه المسألة  وهي تحافظ –من خلال فلسفة الغزواني في الحكم– على توازن العلاقات مع الجميع، فضلا عن قوة الجيش الموريتاني وانضباطه في المراقبة على الطرق ومسارات الصحراء، وإخضاعه لكل السيارات العابرة عليه للتفتيش وهو ما صادفته في رحلتين إلى باسكنو وشنقيط، وكذلك مراقبة الحركة في الصحراء بطائرات مراقبة حديثة ضمن التحديث الهائل للقدرات العسكرية للجيش الموريتاني، كما أن موريتانيا هي الدولة الأكثر اهتماما بأمن الساحل، هذه الادعاءات التي يسوقها الروس بعد صدورها من باماكو تجيئ في إطار الحروب الإعلامية والضغوط النفسية خصوصا أن روسيا تخشى سقوط باماكو التي تتعرض لضربات جماعة ماسينا (داعش)، وكذلك لمحاولات إنقلابية عليه، آخرها قبل أسبوع حيث أنقذت الصدفة نظام “أسيمي جويتا” الحالي من انقلاب عدد من العسكريين -قيل أنه  بتدبير فرنسي وهو الاحتمال الأقرب- حيث اعتقل شخص فرنسي مع المجموعة الإنقلابية، ولو سقطت بامكو فإن الوجود الروسي في دول الساحل سينهار كما بدأ وجودهم في النيجر وبوركينا من مالي، كما أن النظام في مالي يصدر مشكلاته وفشله وانهياره ويعلق إفلاسه على ادعاءاته ضد موريتانيا لصرف الأنظار عن فشله الإداري والعسكري منذ انقلابه على أبوبكر كيتا.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى