بسمة فهيم تكتب: المرأة المصرية حارسة للجذور والهوية وصانعة للمستقبل
في بعض البيوت، لا تكون البطولة حدثًا مرّ وانتهى، بل تصبح هوية متجذّرة، تُغرس في الوعي، وتشكّل نظرة الأبناء للحياة والوطن، في بيتي، لم تكن البطولات تُروى على سبيل التفاخر، بل كانت دروسًا تُغرس في القلوب قبل العقول.
نشأت في منزل يُجسّد معاني الانتماء الحقيقي، حيث كان حب الوطن فطرة، والدفاع عنه شرفًا لا يضاهيه شرف، ورفع اسمه واجبًا لا يخضع للتأجيل، فأنا حفيدة اللواء أركان حرب فهيم شديد، أحد أبطال حرب أكتوبر المجيدة عام 1973، ولقد تعلّمت من جدي أن البطولة لا تقتصر على لحظة اشتباك أو أمر بالتحرك في ساحة المعركة، بل هي موقف دائم، يبدأ من الفكرة والمبدأ، ويستمر في كل موقع يُخدم فيه الوطن بإخلاص. وقد آمنت دومًا أن الدفاع عن الوطن لا يكون فقط بالبندقية، بل أيضًا بالكلمة، والعمل، والإبداع، والمشاركة.
وأفتخر بأنني أنتمي إلى بيت حمل في جيناته معنى البطولة والانتماء، وأؤمن بأن جيلي -من النساء والرجال- يحمل على عاتقه مسؤولية جديدة: أن نُكمل ما بدأه من سبقونا، وأن نُثبت للعالم أن مصر التي انتصرت في الحروب قادرة أن تنتصر أيضًا في ميادين البناء.
في كل مرحلة مفصلية من تاريخ مصر، كانت المرأة حاضرة، وليست مجرد شاهدة على الأحداث، بل فاعلة، ومبادرة، وصاحبة تأثير لا يُمكن إنكاره، فالمرأة المصرية ليست فقط حارسة للبيت، بل حارسة للجذور، للهوية، للتاريخ، وصانعة للمستقبل بكل ما يحمله من تطلعات وتحديات.
منذ العصور الفرعونية، ظهرت المرأة المصرية كقائدة، وكاهنة، وملكة؛ من “حتشبسوت” التي حكمت مصر بجدارة، إلى “كليوباترا” التي خلدها التاريخ، إلى النساء في القرى اللاتي حملن العائلة على أكتافهن في صمت وشموخ، فلم تكن المرأة يوما هامشًا، بل كانت دائمًا أساسًا من أسس المجتمع.
وحين وقفت مصر في مفترقات مصيرية – في مقاومة الاحتلال، في ثوراتها الشعبية، وفي نضالاتها الاجتماعية والسياسية – كانت المرأة المصرية في الصفوف الأولى؛ حيث حافظت على “قيم الأسرة المصرية”، وعلى “هوية المجتمع”، وعلى “استقرار الوطن” حتى في أحلك الظروف.
اليوم، ونحن نعيش في ظل “رؤية مصر 2030″، نجد صدى هذه القيم حيًّا ومتجددًا، لأن مصر تدخل مرحلة جديدة من التنمية الشاملة، وتحشد كل طاقاتها من أجل مستقبل أكثر استدامة، واللافت أن المرأة المصرية باتت في صدارة هذه المعركة التنموية، لقد أصبحت شريكة حقيقية في بناء وطنها، لا كاستثناء، بل كأصل من أصول المعادلة الوطنية، شريكة حقيقية في “عملية البناء والتنمية المستدامة”، في السياسة، والاقتصاد، والتكنولوجيا، والريادة، والبحث العلمي، وحتى في القطاعات الأمنية والدبلوماسية، وهناك أسماء نسائية تُكتب بحروف من نور، مثلا: 30% من مجلس الوزراء مصريات، و25% من البرلمان نساء، فضلا عن مئات الآلاف من رائدات الأعمال، والمبدعات في مجالات الذكاء الاصطناعي والطاقة والمناخ والتعليم.
فالمرأة المصرية لا تنتظر الفرصة، بل تصنعها، السر في قوتها ليس في ما تفعله اليوم فقط، بل في قدرتها الفريدة على الربط بين الماضي والحاضر، فهي حين تتقدم للأمام، لا تنسى جذورها، ولا تتخلى عن هويتها، بل تحملها معها في كل خطوة، فهي من تربّي الأجيال على الانتماء، وتُعلّم أبناءها معنى الوطن، واللغة، والتاريخ، والكرامة، وهي من تقف في وجه التحديات الاقتصادية، وتُشارك في دعم أسرتها، وتعليم أطفالها، وتثقيف نفسها، ومواكبة العالم دون أن تفقد ملامحها المصرية الأصيلة.
وهذا التحول ليس غريبًا على تاريخ المرأة المصرية، التي وقفت دومًا في الخطوط الأولى، دعمًا وصبرًا وصمودًا، واليوم، تُكمل مسيرتها ولكن بأدوات جديدة تتماشى مع متطلبات العصر، من الرقمنة والابتكار، إلى الاستدامة وريادة الأعمال، المرأة المصرية اليوم ليست “نصف المجتمع” كما يُقال، بل هي في الحقيقة “عصب المجتمع وروحه النابضة”، حين حافظت على الجذور، وها هي تصنع المستقبل، بوعي، وهمة، وإصرار، وبإيمان لا يتزعزع بأن مصر لا تنهض إلا بسواعد أبنائها وبناتها معًا.