حوارات

الشاعر السودانى عبد القادر الكتيابى: «خلوة القرآن» وإيقاعات الأناشيد الصوفية شكلت وعيى

الثقافة بكل أبوابها أقصر الطرق إلی السلام

محتويات المقال

jpg 10

أجرت الحوار – أمنية السيد حجاج

  • كل حامل قلم جزء من جسد أمته ووطنه 

  • الثقافة بكل أبوابها أقصر الطرق إلی السلام

  • الانتماء إلى طريقة صوفية معينة لا يُمثّل تنازلاً عن الهُوِيَّة الوطنية

 

عبدالقادر الكتيابى أديب وشاعر سودانى له العديد من الاعمال الأدبية، ويعتبر الكتيابى من معالم المشهد الشعرى المعاصر، حيث تغنى له عمالقة الغناء السودانى وتغنى له الموسيقار يوسف الموصلي، له العديد من دواوين الفصحى «رقصة الهياج» و«هى عصاي» و«قامة الشفق»، وله ديوان بالعامية بعنوان «أغنيات على سفر»، حين اشتد الاحتراب والصراع فى السودان قرر السفر إلى مصر باعتبارها الملاذ والامتداد الطبيعى للسودان .. جارة الوادي، التى يرى الكتيابى أن الفكر والإبداع والثقافة هى السبيل لإنقاذها مما تعانيه من صراعات، وأنها أقصر الطرق لتحقيق السلام ونشر المحبة فى ربوع الوطن.

 

jpg 12

فإلى نص الحوار.

بالنظر إلى جذورك، ما هو تأثير بيئة الخلاوى والقرآن الكريم على إنتاجك الأدبى والإبداعي؟

لا شك فى أنه ليس حَمَلة الأقلام وحدهم من تصوغهم البيئة المحيطة فهى تؤثر علی كل كائن حى وتُعمل مغازلها علی تلافيف مادة خلقه، فالإنسان ابن بيئته، والحمد لله كان قدرى أن أنبت حاملاً لوحى بين خلوة القرآن مجللاً بطمى الشاطئ الغربى لنهر النيل وسط عماتى النخل وأصدقائى لوز القطن طويل التيلة والأعشاب العطرية والمانجو والطيور الملونة وإيقاعات الأناشيد الصوفية وأغانى التمتم والدليب والدلوكة فى قلب الأم – أم درمان لم يكن بملكى أن أنزع من تفاصيل صلصالى خيوط شمسها المتناسجة فى عصبى أو أجفف أنداء قطرات سحائبها من مسامي، هذه هى بيئتي.. بيتى الذى صبغ منتوجي.

قدمت مجموعتك الكاملة التى تضمنت دواوينك المكتوبة بالفصحى والتى يغلب عليها إحساس الأسى على حال الأمة الإسلامية وقد أصابها الوهن، حدثنا عن هذه المجموعة؟
أكثر نصوص هذه المجموعة يرجع إلی تاريخ مبكر ما بين سبعينيات القرن الماضى و تسعينياته منها ما كتبته فى السودان ومنها ما صغته فى مصر، أما الأسی علی حال الأمة وهو كما أشرت سمة غالبة أعزيها (إذا تقمصت دور الناقد المحقق) إلی أثر البيئة والنشأة الذى أشرت إليه، كما أعزيها إلى تسارع الأحداث بهزائمها المؤسفة فى عصرنا هذا، و هذا أمر طبيعى فى رأيى لكل حامل قلم كونه جزءا من جسد أمته ووطنه وعقيدته، يحمل آلامها وآمالها وإلا فلا خير فيه و لا فى قلمه.

يُثير الانتماء إلى طريقة صوفية معينة نقاشاً حول الهُوِيَّة، حيث يرى البعض أنّه يُمثّل تنازلاً عن الهُوِيَّة الوطنية أو الإسلامية، بينما يرى آخرون أنّه مسألة حرية واختيار لا تُؤثّر على الانتماء الوطنى أو الإسلامى ما هو رأيك بما انك متصوف؟

هذا السؤال ينبنى كما يفيد تركيبه علی التصور السائد عن دلالة كلمة (متصوف) وهو تصور شعبى فى رأيى ساد بين العامة فى زماننا وذهب بهم بعيدا جداً عن الأصل بكل أسف، خاصة ما يعرف بمشيخات الطرق المتوارثة وطقوسها المستحدثة فالجيلانى عبد القادر أو أبوالحسن الشاذلى وتلميذه المرسى أبوالعباس وتلميذاه ياقوت العرشى والإمام البوصيرى لم يكن هذا منهجهم فى التصوف ولا منهج ابن عربى أو الإمام الغزالي، أى من هؤلاء العلماء العاملين كان يتمتع – فطرةً – بخصائص ذاتية كدرجة الرقّة والإرهاف وعمق التأمل واتساع الرؤية وإخلاص التوجُّه إلی الله، وبدهى أنه ليس كل من أخذ عنهم نهجاً للسير علی دربهم لا يفترض أن له خصائصهم الخلقية الفطرية تلك التى أهلتهم لذلك فهذه أمور معنوية لا يمكن أن تجمع عشرة أشخاص علی أساسها، فالنزوع إلی ما نزع إليه أى من أولئك السلف – حالة خاصة به وحده – بينه و بين ربِّه لا تتأتى للخلف إلا بشروط نفس الخصائص، وفوق ذلك فإن إلحاق الذرية بسلفها الصالح مشروط فى القرآن بالإحسان – عن علم طبعاً – وهو إلحاق أخروى ليس دنيوياً يتنافس عليه الأبناء لأجل وجاهة بمسوح الروحانية والتدين عبر التوريث و حسبنا قول الله تعالی: (ما كان محمدٌ أبا أحدٍ من رجالكم)، وهذا خطاب مباشر موجه إلی المتذرعين بالنسب الشريف أما التخوف من خطر ذلك علی الانتماء إلی الهوية الوطنية و العقدية فهو تخوفٌ وارد خطره علی العامة من الأتباع فى عصرنا هذا الذى ابتعدوا فيه عن جادة الأصل التى كان عليها النبى الكريم والتابعون وأولئك العلماء العابدون الذين تقدم ذكرهم. لا أری أننى عرضة لهذا الخطر.

الفن والثقافة كلاهما يوحد الشعب السوداني، و الفن هو الرسالة التى يجتمع حولها السودانيون، وهو المدخل الأنسب لتحقيق السلام وتمتين البناء الاجتماعي، هل هذا الكلام صحيح أم أنه أصبح أقرب للنهج الإنشائى الخالى من المضمون؟

أكتفى هنا بتأكيد أن الثقافة من كل أبوابها هى أقصر الطرق إلی السلام إذا تولى أمرها وزير من أهل الهم الثقافي، ملم بجغرافية وتاريخ السودان، مدرك لأبعاد التنوع الإثنى والقبلى واللسانى فيه، وهذا ما افتقدناه منذ الاستقلال حيث عبر علی رأس تلك الوزارة مئات الوزراء خلال تعاقب الأنظمة والإقالات وكثرة التعديلات الوزارية، وكل ذلك إنما كان يتم علی أساس الإرضاءات الحزبية والجهوية وشروط الولاء دون النظر إلی الكفاءة، نستثنى من ذلك قلة قليلة جداً عبرت سريعا علی ذلك الكرسى فلم تجد الوقت الكافى لوضع بصماتها بسبب الانقلابات والتآمر عليها أحيانا، أكتفى هنا بتأكيد أن الثقافة من كل أبوابها هى أقصر الطرق إلی السلام والبعد عن الاحتراب.

مؤسف أن تصل السودان إلى حد الاحتراب مع وجود المفكرين والسياسيين والفنانين والنخب المثقفة، ومن تغنوا وكتبوا شعراً وطنياً وحلموا بأن يكون للبلاد مشروعا وطنيا يحقق نموذجاً لدولة حضارية، كيف ترى دور المثقفين والمبدعين للخروج من كارثة الحرب؟

الإجابة عن هذا السؤال الحتمى لابد فيها من تفصيل يجلى غموضها ولكن ربما لا يسعه حوار صحفي، خاصة وأننى واحد من ملايين المكتوين بنارها مباشرة حيث أخرجت من بيتى وتم نهبه كاملاً والاستيلاء على كل ممتلكاتي، كما تم توقيفى وأنا متجه بأسرتى إلی مصر عند منطقة (قَرِّي) أحد مرتكزات القوات المتمردة، وكان ذلك تحت تهديد السلاح، و قد نجّانى الله منهم بفضله.

أملنا و رجاؤنا فى الله القادر علی كل شيء أن يتدارك بلادنا بفرج قريب وانفراج عام وسلام دائم يسهم فيه المفكرون والساسة والمبدعون.

*نعود للأدب ونبتعد قليلا عن السياسة، ما هو السبيل فى رأيك لعودة الشعر – فنك الأثير- إلى الواجهة باعتباره ديوان العرب؟

فلنبحث أولاً عن التوافق الجامع لبلاد (العرب) ومن ثم سيعود الشعر فى الواجهة ديوانا، لقد تراجعت قيمة اللغة والتذوق الأدبى بتراكم الهزائم علی الأجيال المعاصرة أمام المد الجارف المنحدر من الغرب إلی الشرق والذى طال المناهج التعليمية و الارتباط بالتراث.

كيف ترى الساحة النقدية فى السودان هل ثمة نقاد فاعلون يفرزون ما يصدر من أعمال أدبية أم أن شيئا من القصور وربما العجز أصاب الحركة النقدية؟

المشهد الأدبى فى السودان كغيره من ساحات الأدب العربى المعاصرة لا يخلو من قصور فى الحركة النقدية المتخصصة فالنقد – بدهياً – عربة فى قاطرة المنتج الأدبى الجاد الذى يستحق الجهد النقدى وهناك شح واضح فى ذلك.

**هل أثر ما يمكن وصفه بالنشر الهمجى للإبداع وأشباهه فى مواقع التواصل الاجتماعى سلبيا على المبدعين الحقيقيين، أم أن ما يجرى ظاهرة إيجابية؟

لن يكون تجنيّاً إذا قلنا إن تسعين بالمائة مما يضطرب فى أثير برامج التواصل الاجتماعى باعتباره كتابات إبداعية ــ لا يعدو أن يكون سوی (تسلق) محموم إلی نجومية متوهَّمة فى مجالات الشعر والرواية والأغنية والتشكيل، وسرعان ما يذهب جفاء مهما بالغ أصدقاء صفحة الواحد منهم فى إيهامه بالاستحسان، ومهما استخدم من وسائل صناعة النجومية، لذلك فلا ينزعجن مبدع حقيقى مما يحدث هؤلاء من جلبة وضوضاء، فللتاريخ غرباله الواسع الثقوب تتساقط منه مع مرور الزمن كل سذاجات الأدعياء ويتساقط فاقدو الاستعداد الفطرى لخاصية الإبداع. فانظرى كم كان حول المتنبى فى زمانه من الشعراء وكم كان مع شوقى وحافظ والتيجانى يوسف بشير وكم عاصر أم كلثوم وعبدالوهاب والسنباطى وكم أنتج العرب من مصنفات اندثرت وما بقى فى ذاكرة التاريخ إلا قِلةٌ من العناوين والأشعار والأسماء والأفلام.

فليطمئن أصحاب الملكات والمواهب الأصيلة أنه لن يبقی علی الأرضية التاريخية إلا ما يساير الحس المعافی وهو ما ينفع الوجدان الإنسانى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى