اقتصاد

 اقتصاديون: سياسة ترامب التجارية تؤثرعلى سلاسل التوريد العالمية.. وتجبر الصين على تسويق منتجاتها لأسواق الدول النامية بأسعار تنافسية

تشهد الأسواق العالمية حالة من الاضطراب بعد عودة سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التجارية المثيرة للجدل إلى الواجهة، لما تعتمد عليه استراتيجيته الاقتصادية من فرض تعريفات جمركية مرتفعة على واردات عدد من الدول، بما في ذلك الصين وكندا والمكسيك بهدف تقليل العجز التجاري، وتعزيز الإنتاج المحلي، لكنها في المقابل تثير مخاوف بشأن اضطراب سلاسل التوريد، وارتفاع تكاليف الإنتاج، وتأثيرها السلبي على الأسواق الناشئة، مما قد يلقي بظلاله على الاقتصاد المصري، من حيث التأثير على الصادرات المصرية بسبب تراجع الطلب العالمي في بعض القطاعات، بينما تشهد بعض القطاعات فرصًا جديدة نتيجة بحث الصين عن أسواق بديلة.

يقول الدكتور رمزي الجرم الخبير الاقتصادي والمصرفي إن الأسواق الناشئة من أكثر الأسواق تأثرًا بالتقلبات في أسواق العملات وأسعار السلع الأساسية خصوصًا النفط والغاز الطبيعي والحبوب الزراعية وبشكل خاص القمح، وهذه الأمور تكون أكثر تعقيدًا، في ظل الحرب التجارية الجديدة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، إذ أن الكثير من تلك الأسواق تعتمد بشكل رئيسي على كلا من الصين وأمريكا، فأي تراجع في التجارة بين البلدين سيكون له انعكاسات سلبية على اقتصادات تلك الدول.

وأشار إلى أن تزايد وتيرة الحرب التجارية بين الصين بشكل خاص والولايات المتحدة الأمريكية، ستؤدي إلى رفع التكاليف المرتبطة بالاستثمار في تلك الأسواق، إذ أن فرض المزيد من التعريفات الجمركية تستهدف بشكل أساسي الصين، إلا أن التداعيات السلبية لا تُطال الصين وحدها ، بل تمتد إلى كافة الأسواق الناشئة .

وقال إن انخفاض الفائدة في الصين، سيجعل اليوان الصيني أكثر قدرة على المنافسة مقارنةً بعملات الأسواق الناشئة، مما يعزز صادرات الصين إلى الأسواق الناشئة الأخرى، فضلًا عن أن زيادة معدل التعريفة الجمركية من المرجح أن تُحدث طفرة كبيرة في الصادرات بشكل أفضل، إلا أن التعريفات الجمركية المفروضة من الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة من الممكن أن تؤدي إلى إبطاء واردات الصين من السلع المختلفة سواء الوسيطة أو تامة الصنع ،مما يخلق العديد من الضغوط المالية التي تلقي بظلالها على انخفاض ربحية الشركات الصينية والتي قد تنزلق نحو خيارات الإفلاس أو التصفية.

على جانب آخر، أوضح “الجرم” أن الصين من المرجح أن تبحث عن أسواق بديلة من أجل ترويج منتجاتها، كخيار أفضل من غلق المزيد من مصانعها وتشريد المزيد من العمالة ،مما يُمكن الأسواق الناشئة من الحصول على السلع الصينية بأسعار تنافسية أقل مما كانت عليه في السابق ،على خلفية سعي الصين لتصريف منتجاتها ولو بأقل هامش ربحية ممكن من أجل الصمود في وجه الأزمة، ومواجهة التداعيات السلبية الناجمة عنها ،كما أن توقف الولايات المتحدة الأمريكية والتي تعتبر الشريك الأول للصين عن استيراد المنتجات الصينية أو فرض تعريفات جمركية بمعدلات مرتفعة عليها ، سيجبر الصين على على تسويق منتجاتها بأسعار تنافسية لأسواق الدول النامية مما يعود الفائدة على الأخيرة.

ومن جانبه قال الدكتور أشرف غراب، الخبير الاقتصادي، نائب رئيس الاتحاد العربي للتنمية الاجتماعية بمنظومة العمل العربي بجامعة الدول العربية لشئون التنمية الاقتصادية، إن السياسة التجارية الجديدة للولايات المتحدة الأمريكية والتي تعتمد على فرض تعريفات جمركية على واردات عدد من الدول على رأسها كندا والمكسيك والصين، ستؤثر بالسلب على الاقتصاد العالمي وسلاسل التوريد، ما يؤدي لتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، إضافة لخلق حالة من الصراع التجاري بين الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الاقتصادية الكبرى العالمية .

وأضاف غراب، أن فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على الواردات الكندية والمكسيكية و10% على واردات الصين لأمريكا، تؤدي لزيادة تكلفة استيراد السلع الوسيطة والمواد الخام التي تستوردها الولايات المتحدة الأمريكية ما يؤدي لرفع تكاليف إنتاج الشركات العاملة في أمريكا وسيكون التأثير أكبر على وجه الخصوص الشركات التي تعتمد على الصلب المستورد، موضحا أنه وفقا لدراسة صادرة عن معهد بيترسون للاقتصاد الدولي أن هذه التكاليف الزيادة في الإنتاج تمثل عائقا أمام الشركات الصغيرة والمتوسطة والتي تفتقر للموارد المالية لتحمل هذه الأعباء وهذا قد يدفعها لتقليص نشاطها أو رفع أسعار منتجاتها،

وأوضح أن زيادة تكلفة هذه السلع يضطر الشركات التي تستوردها إلى إضافة تلك الزيادة على المستهلكين ما يكلف الأسرة الأمريكية المتوسطة نحو 2600 دولار سنويا وفقا للدراسة .

وأضاف غراب، أنه بالمثل ستلجأ الدول التي تم فرض رسوم جمركية على وارداتها مثل الصين بفرض رسوم جمركية انتقامية على المنتجات الأمريكية، وهذا سيؤدي لتقليص مبيعات المصدرين الأمريكيين كما حدث عام 2018 بعد تصاعد الحرب التجارية بين الصين وأمريكا، مؤكدا أن ذلك سيضر بمبيعات المنتجات الأمريكية في السوق الصينية ومسببا خسائر كبيرة للشركات الأمريكية بسبب تراجع مبيعاتها.

وأوضح أن ذلك يتسبب في فقدان وظائف في قطاعات تعتمد على التجارة، وفي تحليل للفيدرالي الأمريكي جاء فيه أن هذه السياسة الجمركية تخفض التوظيف الصناعي بنسبة 1.4% نتيجة زيادة تكاليف الإنتاج، كما أظهرت دراسة معهد بي تطبيق ترسون أن سياسة ترامب التجارية أسفرت عن خسائر 245 ألف وظيفة في أمريكا خلال السنوات الأولى من سياسته الجمركية .

وأكد غراب، أن سياسة ترامب التجارية الجديدة سينتقل أثرها السلبي على الأسواق الدولية والأسواق الناشئة، ما يتسبب في اضطراب سلاسل التوريد وتباطؤ معدل النمو الاقتصادي وتزايد معدل التضخم عالميا وتقليص حركة التجارة الدولية، مشيرا إلى أن الشركات الأمريكية المتضررة قد تبحث عن مواقع جديدة للإنتاج خارج السوق الأمريكي، إضافة لتقليل الجاذبية الاستثمارية للسوق الأمريكي بالنسبة للشركات الصينية وغيرها،

كما أوضح أن سياسة ترامب التجارية قد تؤثر على دول الخليج لأن التأثير على الاقتصاد الصيني يقلل من طلبه على النفط لأن الصين ودول أسيا الناشئة الأكثر طلبا على النفط، كما أن الصين ستضطر للبحث عن أسواق بديلة لتصدير منتجاتها إليها وهذا قد يؤدي لتوافر المنتجات الصينية بالدول الناشئة بأسعار أقل من السابق ما يعود بالفائدة على الدول الناشئة .

وأشار غراب، إلى أن سياسة ترامب التجارية الجديدة تدفع المستثمرين إلى الاستثمار في الأصول الأكثر أمانا مثل السندات الأمريكية والدولار، وذلك يؤثر بالسلب على تدفقات رؤوس الأموال والاستثمارات إلى الأسواق الناشئة، وهذا يقابله زيادة في قيمة الدولار مقابل سلة العملات الأخرى، موضحا أن فرض تعريفات جمركية على الأسواق الناشئة يخفض الطلب على منتجاتها وهذا يقابله ضعف في العملات المحلية، لأن تراجع الطلب على صادرات الأسواق الناشئة يخفض من قيمة عملتها مقابل الدولار، موضحا أن الدولار قد ارتفع خلال الأسابيع الماضية منذ فوز ترامب وهذا راجع عن ارتفاع عوائد سندات الخزانة، ما يعكس التوقعات بأن سياسات ترامب قد تزيد التضخم، رغم قوة الاقتصاد الأمريكي وهذا قد يغير من سياسة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بشأن تخفيض سعر الفائدة .

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى