هذه التساؤلات هى ما سوف نتعرف على إجاباتها من خلال هذه الدراسة المتواضعة والتي جاءت مقارنة بالوضع فى الشريعة الإسلامية الغراء، وذلك من أجل هدف أساسى وهو توضيح مدى سمو وعلو قواعد الشريعة الإسلامية وعلاجها لكل ما يُثار من مشكلات وإيجاد الحلول لها، وصلاحيتها للتطبيق العملى فى كل زمان ومكان، ودحض مزاعم الحاقدين والناقمين على الشريعة الإسلامية، والمشككين فى صلاحيتها وسلامتها للتطبيق فى العصر الحديث.

" />
تحقيقات

إنتهاء ولاية الحكام بين الشريعة والأنظمة الدستورية المعاصرة”

اسم
الباحث: خالد كمال أحمد إدريس – المدرس المساعد بكلية الشريعة والقانون – كلية
الحقوق – جامعة القاهرة، ديسمبر 2008 .

إن
أهم سمة من سمات النظام الجمهورى هى تأقيت مدة رئيس الدولة، فولاية رئيس الدولة فى
النظام الجمهورى لا تستمر مدى حياته وإنما ينحصر تأقيت مدة الرئاسة فى مدة زمنية
معينة يختلف تحديدها من نظام سياسى إلى نظام سياسى أخر ولكن رئيس الدولة فى النظام
الجمهورى يجب أن يتولى الحكم فى الدولة بالإنتخاب لمدة محددة سلفا فى دستور
الدولة. وإذا نظرنا إلى الجمهوريات العربية، لوجدنا أن رؤساء هذه الجمهوريات لا
يتركون مناصبهم لانتهاء المدة، وإنما لا يتركون مناصبهم إلا لسببين فقط وهما:
السبب الأول الوفاة، والسبب الثانى الثورة. فأى ديمقراطية تعطى رئيس الجمهورية أن
يتولى الحكم فى الدولة مدى الحياة؟ وهل تنحصر أسباب إنتهاء ولاية رئيس الدولة فى
إنتهاء المدة التى انتخب لها رئيسا للجمهورية، والوفاة والثورة أم أن هناك أسباباً
أخرى لانتهاء ولاية رئيس الدولة؟ وهل عرفت الأنظمة الملكية أسباب انتهاء ولاية
رئيس الدولة؟ وهل عرفت الشريعة الإسلامية الغراء أسباب انتهاء ولاية رئيس الدولة
أم أن الخليفة رئيس الدولة الإسلامية يتولى الحكم ويظل فيه لا يتركه لأى سبب من
الأسباب إلا بالوفاة؟.

هذه
التساؤلات هى ما سوف نتعرف على إجاباتها من خلال هذه الدراسة المتواضعة والتي جاءت
مقارنة بالوضع فى الشريعة الإسلامية الغراء، وذلك من أجل هدف أساسى وهو توضيح مدى
سمو وعلو قواعد الشريعة الإسلامية وعلاجها لكل ما يُثار من مشكلات وإيجاد الحلول
لها، وصلاحيتها للتطبيق العملى فى كل زمان ومكان، ودحض مزاعم الحاقدين والناقمين
على الشريعة الإسلامية، والمشككين فى صلاحيتها وسلامتها للتطبيق فى العصر الحديث.

وقد
قسم الباحث الباب الأول إلى خمسة فصول، فجاء الفصل الأول بعنوان: “انتهاء
المدة بين الشريعة والأنظمة الدستورية المعاصرة”
إن قاعدة تأقيت مدة
رئاسة رئيس الدولة فى الأنظمة الجمهورية هى القاعدة الأساسية التى يقوم عليها
النظام الجمهورى الديمقراطى وبالتالى فلا يمكن أن يتصور وجود نظام جمهورى ديمقراطى
بدون تأقيت مدة رئاسة رئيس الدولة، وقد وجدنا أن الأنظمة الجمهورية تأخذ بإحدى
ثلاث طرق لانتهـاء رئاسة رئيس الجمهورية وخلو منصبه بانتهاء المدة، كما رأينا
اختلاف دساتير هذه الأنظمة فى تحديدها لمقدار مدة الرئاسة، وكذلـك اختلافهـا فى
بدايـة مـدة انتخاب الرئيس الجديد، وكذلك اختلافها فى تحديد شخص الحال محل رئيس
الجمهورية فى حالة انتهاء مدة الرئاسة ونحيل إلى ما سبق ذكره لعدم التكرار.

ثالثاً: إجراء مقارنة
انتهاء المدة بين الشريعة والأنظمة الدستورية المعاصرة:

وجدنا
من نتائج البحث فى هذا الموضوع أن علماء الشريعة الإسلامية لهم رأيين: الرأى الأول
ويذهب إلى تأييد مدة رئاسة رئيس الدولة وأن ولايته لا تنتهى إلا بالوفاة وهم فى
ذلك يماثلون النظام الإسلامى بالأنظمة الملكية فى العصر الحديث.

الرأى
الثانى:

وهو الذى  يذهب إلى أن قواعد الشريعة
الإسلامية الغراء لا تنافى إمكانية تأقيت مدة رئاسة رئيس الدولة الإسلامية، وقد
انتصرنا لهذا الرأى لقوة أسانيده وحججه وبذلك فإن رئاسة رئيس الدولة الإسلامية إذا
تم الاتفاق بين أهل الحل والعقد وبين المرشح لرئاسة الدولة الإسلامية على تحديد
مدة رئاسته بمدة زمنية معينة فإن رئاسته فى هذه الحالة تماثل الرئاسة فى الأنظمة
الجمهورية الديمقراطية فى العصر الحديث الأمر الذى يظهر معه بوضوح وجلاء مدى
ملائمة قواعد الشريعة الإسلامية الغراء لكل زمان ومكان.

وجاء
الفصل الثانى بعنوان: “
وفاة رئيس الدولة بين
الشريعة والأنظمة الدستورية المعاصرة” ثـالثا: دستور 1971 المصرى:

        قرر
هذا الدستور فى المادة (84) حالات خلو منصب رئيس الجمهورية بصفة عامه وكذلك حالة
عجزه الدائم عن العمل، ويدخل فى حالات خلو منصب الرئيس بصفة عامة حالة خلو منصب
الرئيس بسبب الوفاة، وقد تضمنت المادة (84) بعض الأحكام الخاصة بهذه الحالة وهى:

1-إعلان
خلو منصب رئيس الجمهورية:

        قررت لمادة (84) أنه فى حالة خلو منصب
الرئيس بصفة عامه وبالتالى يدخل فيها حالة خلو منصب الرئيس بسبب الوفاة فإنه يجب
على مجلس الشعب أن يعلن خلو منصب رئيس الجمهورية.

فنصت
المادة (84/1) على أن:” فى حالة خلو منصب رئيس الجمهورية….” كما نصت هذه
المادة فى فقرتها الثانية على أن:” ويعلن مجلس الشعب خلو منصب رئيس
الجمهورية.

2-شخص
الحال محل رئيس الجمهورية:

قررت
المادة (84) أن الذى يحل محل رئيس الجمهورية فى حالة خلو منصب رئيس الجمهورية بصفة
عامة ومنها حالة خلو هذا المنصب بسبب الوفاة أى وفاة الرئيس السابق- هو رئيس مجلس
الشعب وإذا كان مجلس الشعب منحلا حل محلة فى الرئاسة المؤقته للجمهورية رئيس
المحكمة الدستورية العليا بشرط الا يرشح نفسه للرئاسة، فنصت المادة (84/1) على أن:
“فى حالة خلو منصب رئيس الجمهورية أو عجزه الدائم عن العمل يتولى الرئاسة
مؤقتاً رئيس مجلس الشعب، وإذا كان المجلس منحلا حل محله رئيس المحكمة الدستورية
العليا، وذلك بشرط ألا يرشح أيهما للرئاسة” وقد أضاف المشرع الدستورى المصرى
الى هذه الفقرة قيد بالتعديل الدستورى الذى تم بالاستفتاء الدستورى  فى 26/3/2007 بقوله ” مع التقيد بالحظر
المنصوص عليه فى الفقرة الثانية من المادة (82)”والمشرع يقصد
القيد الذى أورده فى الفقرة الثانية من المادة (82) بعد التعديل فى الاستفتاء
الدستورى يوم 26/3/2007 وهذا القيد ينص على أن:” ولا يجوز لمن ينوب عن رئيس
الجمهورية طلب تعديل الدستور أو حل مجلس الشعب أو مجلس الشورى أو إقالة
الوزارة”

3-
تولية الرئيس الجديد:

قررت
المادة (84) أنه فى حالة خلو منصب رئيس الجمهورية فإنه يجب أن يتم إختيار رئيس
الجمهورية الجديد خلال مده لا تتجاوز الستين يوما من تاريخ خلو منصب الرئاسة فنصت
المادة (84/3) على أن: “ويتم اختيار رئيس الجمهورية خلال مدة لا تتجاوز ستين
يوماً من تاريخ خلو منصب الرئاسة”.

لقد
عَرّفَ فقهاء الشريعة الإسلامية الوفاة وذكروا علاماتها بما يماثل ما وصل اليه
الطب فى العصر الحديث بل سبقوا ما وصل إليه العلم فى العصر الحديث حيث ذهب البعض
منهم إلى البحث فى حقيقة الروح وماهيتها، كما تحدث القرأن الكريم عن الوفاة وعن
علاماتها وكذلك سنة الرسول الكريم
e التى سجلت لنا أموراً عن الوفاة ومقدماتها وعلاماتها . كذلك عرّف
الفقهاء القانونيون الوفاه وذكروا علاماتها مثلهم فى ذلك مثل فقهاء الشريعة
الإسلامية يبقى لفقهاء الشريعه الإسلامية سبقهم لبحث حقيقة الروح وماهيتها.

وفى
الفصل الثالث المعنون: “العجز عن أداء مهام المنصب بين الشريعة والأنظمة

الدستورية
المعاصرةلقد أتضح من الدراسة القانونية السابقة أن القليل من دساتير
الأنظمة الملكية هى التى نصت على أن تخلف شرط الكفاءة وثبوت عجز الملك عن أداء
حقوق وواجبات العرش يؤدى إلى أن يعزل الملك من العرش.

أما
بالنسبة إلى دساتير الأنظمة الجمهورية الحديثة فقد سلكت هذه الدساتير عدة اتجاهات
فى نصها على كون عجز رئيس الدولة عن أداء مهام منصبه وأنه سبب قانونى تنتهى به
رئاسته للجمهورية، وهذه الاتجاهات هى: دساتير نصا صراحة على أن العجز عن أداء مهام
رئيس الجمهورية للمنصب يؤدى إلى عزله عن رئاسة الجمهورية، ودساتير يستفاد ضمنا من
نصوصها عزل رئيس الجمهورية فى حالة عجزه الدائم عن أداء مهام المنصب، وبعض
الدساتير نصت على حالات انتهاء ولاية رئيس الجمهورية وخلو سدة الرئاسة ولم تنص على
حالة العجز الدائم بين هذه الحالات، وبعض الدساتير لم تنص على حالات خلو سدة الحكم
أصلا.

ثالثا:
إجراء
مقارنة بين عجز رئيس الدولة عن أداء مهام المنصب فى الشريعة والأنظمة الدستورية
المعاصرة، بإجراء المقارنة نجد أن الشريعة الإسلامية قد أقرت أن عجز رئيس الدولة
عن العمل يؤدى إلى عزله عن ولايته وشغور منصب رئيس الدولة، وكذلك وجدنا بعض دساتير
الأنظمة الملكية تنص على بعض الصور لعجز رئيس الدولة المنهية لولايته والمستوجبة
لعزله عن عرش البلاد، ووجدنا لدساتير الأنظمة الجمهورية عدة إتجاهات منها ما ينص
صراحة أو ضمنا على أن عجز رئيس الدولة عن أداء مهام المنصب يؤدى إلى انتهاء ولايته
وشغور منصب رئيس الجمهورية، ومنها ما نص على الحالات الأخرى لخلو منصب رئيس
الجمهورية غير حالة العجز عن أداء مهام المنصب، ومنها ما لم ينص على حالات أو
أسباب أنتهاء ولاية الرؤساء مما يجعل الشريعة الإسلامية الغراء قد سبقت فى أحكامها
ومبادئها ونظرياتها كثيرا من الدساتير والقوانين الوضعية فى الأنظمة الدستورية
المعاصرة.

أما
الفصل الرابع والذى جاء بعنوان: “ الانعزال أو استقالة رئيس الدولة بين
الشريعة والأنظمة الدستورية المعاصرة”
يجب ان نقرر حقيقة لتسير معنا فى
كل ما سبق وما سيأتى من مجال البحث، وهذه الحقيقة مفادها أنه لا تستلزم مقارنة
النظام الإسلامى العظيم فى أى مسألة من مسائل نظام الحكم على وجه الخصوص مع أى
نظام دستورى وضعى لا تستلزم تلك المقارنة أن يتطابق النظام الإسلامى مع النظام
الوضعى فى كل الجزئيات فقد يسبق التنظيم الإسلامى التنظيم الوضعى فى تنظيم بعض
الأحكام الدستورية للدولة الإسلامية، وقد يسبق التنظيم الوضعى التنظيم الإسلامى فى
تنظيم بعض الجزئيات فى الأمور الدستورية لما تقتضيه ظروف الدول من تطور وما لا
يكون قد حدث فى تاريخ الدولة الإسلامية، أو حدثت بعض الأمور التى لم يتوقعها علماء
الشريعة الإسلامية وبالتالى لم يضعوا لها حلا. وهذه الحقيقة التى قررناها تنطبق
على المسألة موضوع البحث وهى استقالة رئيس الدولة، فبالنسبة للشريعة الإسلامية فقد
أقرت استقالة رئيس الدولة لإنهاء ولايته، وكان ذلك عن طريق السنّة النبوية المشرفة
وما حدث فى تاريخ الدولة الإسلامية الأولى من استقالة لرئيس الدولة وأقرها أصحاب
النبى
e والتابعين وفقهاء
الشريعة الإسلامية بعد ذلك.

وفى
حتام الباب الأول جاء الفصل الخامس بعنوان: ”
العزل
على أساس المسئولية بين الشريعة والأنظمة الدستورية المعاصرة”والمسئولية
السياسية تعم وتشمل جميع المسئوليات التى يمكن أن تثار ضد رئيس الدولة إذ هى تتقرر
عند مخالفة دستور الإسلام المتمثل فى القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة إذا
قررنا أن القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة هما دستور الدولة الإسلامية على حد
تعبير بعض الباحثين، أو قررنا أنهما يشملان على قواعد تعلو القواعد والأحكام
الدستورية ويجب على السلطات التأسيسية فى الأمة الإسلامية أن تراعيها وتحترمها
طبقاً لرأى البعض الآخر. ولما كانت المسئولية السياسية أعم وأشمل من جميع أنواع
المسئوليات الآخرى. وإذا كان فقهاء الشريعة الإسلامية القدامى لم يعرفوا مصطلح
المسئولية السياسية فإن بعضهم قد عرض المسئولية بما يشمل المسئولية السياسية لرئيس
الدولة فيقول الأيجى (وللأمة خلع الإمام وعزله بسبب يوجبه) ويقول شارحه مثل أن
يوجد منه ما يوجب اختلال أحوال المسلمين وانتكاس أمور الدين كما لهم نصبه وإقامته
لانتظامها وإعلائها.

فقد
رأينا دساتير الأنظمة الملكية تقرر إعفاء الملك أو الأمبراطور من كل مسئولية سواء
المدنية أو السياسية أو الجنائية، وتقرر له ميزة خاصة بتقريرها أن: “ذات
الملك مصونة لا تمس” وبالتالى فإنه لن يسأل عن أى أمر سواء كانت المسئولية
سياسية أو جنائية أو حتى مدنية.

أما
دساتير الأنظمة الجمهورية، فمن الدساتير ما يقرر عدم مسئولية رئيس الجمهورية
سياسياً إلا فى حالة الخيانة العظمى فقط، ومن الدساتير ما تقرر عدم مسئولية رئيس
الجمهورية سياسياً وجنائياً، ومن الدساتير ما تقرر مسئولية رئيس الجمهورية سياسياً
وجنائياً، ومن الدساتير ما لم تنظم موضوع مسئولية رئيس الجمهورية، وبالتالى فإن
قيام الشريعة الإسلامية بتقرير مسئولية رئيس الدولة بأنواعها الأربعة المدنية،
والجنائية، والإدراية، والسياسية، ومن قبلهم المسئولية الدينية أمام الله -عز وجل-
وهى أهم مسئولية فى أنواع المسئولية جميعهاً فإنها بذلك يكون لها قصب السبق فى
تقرير مسئولية رئيس الدولة عن جميع الأنظمة السياسية والدستورية الحديثة
والمعاصرة.

ثانياً:
أسندت الشريعة الإسلامية إلى هيئة أهل الحلِّ والعقدِ القيام بمهمة تقرير مسئولية
رئيس الدولة وعزله، وكذلك كانت إتجاهات معظم دساتير الأنظمة الجمهورية إلى جعل
البرلمان أو الجمعية الوطنية أو مجلس الشعب هو الجهة المنوط بها محاكمة رئيس
الجمهورية عند تقرير مسئوليته، وحيث تتشابه وظيفة أهلُ الحلِّ والعقدِ فى مراقبة
أعمال رئيس الدولة مع وظيفة البرلمان أو الجمعية الوطنية أو مجلس الشعب فى الأنظمة
الدستورية الحديثة والمعاصرة فى مراقبة أعمال السلطة التنفيذية. ويكون تقرير
الشريعة الإسلامية حق مراقبة رئيس الدولة وتقرير مسئوليته وعزله لأعضاء ما سبق أن
أطلقنا عليهم مسمى “هيئة أهلُ الحلِّ والعقدِ” الأمر الذى يجعلنا نقرر
وبحق صلاحية فقه الشريعة الإسلامية للتطبيـق حالياً ومسايرته لكل زمان ولكل مكان.

ثم
قسم الباحث الباب الثانى إلى ثلاثة فصول، فجاء الفصل الأول بعنوان: الثورة على
رئيس الدولة بين الشريعة والأنظمة الدستورية المعاصرة” إذا كان فقهاء القانون
قد عرفوا الثورة بأنها: “الحركة التغييرية الجذرية الشاملة لنظام الدولة من
كافة الوجوه القانونية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية استهدافا لتحقيق المصلحة
العامة للجماعة كلها” أو هى: “قيام الشعب بتغيير حكامه بالعنف وبغير
الطريق الشرعى”. فإن فقهاء الشريعة الإسلامية لم يعرفوا الثورة بالمعنى الفنى
الدقيق الذى عّرفها به فقهاء القانون الدستورى الآن وإنما عرفوا الخروج على رئيس
الدولة سواء الخروج المسلح أو الخروج غير المسلح وبذلك يكون فقهاء الشريعة الإسلامية
عرفوا الثورة بمعناها اللغوى وهو الهيجان والانتشار، وكذلك عرفوها فى الواقع
الفعلى لذلك حدثت كما رأينا ثورتان فى صدر الدولة الإسلامية. الثورة الأولى ثورة
الثوار ضد الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان
t والثورة الثانية
ثورة الحسين بن علىّ بن أبى طالب – رضى الله عنهما – ضد يزيد بن معاوية بن أبى
سفيان بسبب فسقه وشربه الخمر ولعبه بالكلاب وغير ذلك مما سبق ذكره.

النقطة
الثانية: الاعتراف بالثورة وتنظيم أحكامها.

إن
دساتير الأنظمة الملكية لم تعترف بالثورة على رئيس الدولة ولم يأت بها أى ذكر
للثورة على رئيس الدولة لا فى صلبها ولا فى مقدماتها وديباجاتها وليس لمصلح الثورة
أى ذكر فيها لا من قريب ولا من بعيد.

وكذلك
أيضاً دساتير الأنظمة الجمهورية فإنها وإن تحدثت فى مقدماتها وديباجاتها عن الثورة
التى صدرت بناءً عليها – بالنسبة للدساتير التى وضعت بعد ثورات أو جاءت نتيجة
لثورة – إلا أن هذه الدساتير لم تتضمن أى تنظيم للثورة أو أى اعتراف بها وذلك أمر
منطقى لأنه لا يمكن لدستور أنشأ نظاماً أن ينظم كيفية هدمه، وإنما كانت الدساتير
التى تحدثت عن الثورة فقررت حماية خاصة للقوانين والقرارات الصادرة بخصوص الثورة
من الطعن عليها بعدم الدستورية.

ويمثل
لهذه الدساتير بالدستور المصرى الصادر 1956 والدستور التركى الصادر 1961 وهما
الدستوران الوحيدان اللذين جاء بهما ذكر للثورة وأضفى الحماية على القوانين
والقرارات الصادرة بخصوصها، بل إن الدستور التركى الذى أضفى حماية لقوانين الثورة
حرم الثورة بعد ذلك ويدل على ذلك أنه جعل من قيام ثورة سبباً فى إعلان الأحكام
العرفية ولم تعترف الأنظمة الدستورية بالثورة على رئيس الدولة حتى ولو كان النظام
دكتاتورياً مستبداً أو كان النظام فاسداً رجعياً إلا إذا قامت الثورة ونجحت
بالفعل.

بيد
أن المشرع الإسلامى بتقريره فى الأحاديث النبوية المشرفة السابق ذكرها أحقية
المسلمين فى الثورة على رئيس الدولة الظالم الفاسق المرتكب للجرائم إذ لم يذعن
لرأى أهلُ الحلِّ والعقدِ والتمكين من نفسه فى رد الحقوق إلى أصحابها أو القود
والقصاص، أو تقديم استقالته يظل للمسلمين الحق فى الثورة عليه وخلعه ولو بالقوة من
منصب رئاسة الدولة الإسلامية، وكل ذلك مشروط بعدم إثارة فتنة حتى لا تكون كمن يبنى
قصراً ويهدم مصراً، وبذلك يكون للشريعة الإسلامية الغراء قصب السبق فى تقرير
الأحكام الخاصة بالثورة على رئيس الدولة الإسلامية كأمر واقعى بما يبين سمو وعلو الشريعة
الإسلامية الغراء ويجعلها صالحة للتطبيق فى كل زمان وكل مكان، حيث سبقت كل الأنظمة
والقوانين الوضعية والدستورية المعاصرة.

أما
الفصل الثانى المعنون: “الانقلاب على رئيس الدولة بين الشريعة
والأنظمة

الدستورية
المعاصرة” بإجراء المقارنة نجد أن فقهاء الشريعة الإسلامية وإن لم يعرفوا
اصطلاح الانقلاب إلا أنهم عرفوا معناه تحت مسميات أخرى وهى ” التغلب والقهر
والاستيلاء” و الشريعة الإسلامية فى دستوريها القرآن الكريم والسنة النبوية
تحرم التنازع والاختلاف والشقاق وتوجب على الأمة الإسلامية الوحدة والتكتل والأخذ
بأسباب القوة بل والأخذ بكل ما فيه قوة وقد سبق أن ذكرنا الآيات القرآنية الكريمة
التى توجب على المسلمين الأخذ بأسباب القوة ومر أيضاً الآيات القرآنية الكريمة
التى توجب على المسلمين الدخول فى الوحدة الإسلامية لكونهم أمة واحدة وربهم واحد
ودينهم واحد ورسولهم واحد محمد
e  وفى السنة النبوية المشرفة مرت الأحاديث
النبوية الشريفة التى توجب على المسلمين الطاعة لولى الأمر “الخليفة”
رئيس الدولة الإسلامية وتحرم نكث البيعة له وأن من يخالف ذلك ويموت على تلك الحالة
فإنه يموت ميتة جاهلية أى على أمر العصبية التى كانت فى الجاهلية أيام العرب قبل
الإسلام، وحرمت السنة النبوية المشرفة إبرام بيعة أخرى بعد تمام البيعة لخليفة
سابق حتى أنها أوجبت قتل الثانى منهما وحرمت كذلك بأقوال صريحة الخروج على الخليفة
وتفريق كلمة المسلمين وتفريق وحدة المسلمين وتشتيت شملهم وأوجبت قتل من يرتكب هذا
الجرم وأباحت دمه كائناً منْ كان. ولكن فقهاء الشريعة الإسلامية نظراً لحدوث
مغالبة على منصب الخلافة وقهر للخلفاء من بعض ذوى القوة والنفوذ فى الدولة
الإسلامية وأن هؤلاء المتغلبة قد استولوا على السلطة فى الدولة الإسلامية وقد
استقرت لهم الأمور فى هذه الدولة وصاروا يعرفون ويلقبون بالخلفاء ورأى فقهاء
الشريعة الإسلامية أن فى إيجاب الخروج عليهم إثارة للفتنة التى لا يندفع شرها
وتأتى على كل شئ وتأتى على الأخضر واليابس لذلك فقد أقر فقهاء الشريعة الإسلامية
خلافة التغلب وخلافة الاستيلاء تقنيناً للأمر الواقع أو نظراً للضرورة التى توجب
الاعتراف بإمارة وخلافة التغلب “الانقلاب”.

أما
الانقلاب فى الأنظمة الدستورية المعاصرة فإنه نوع من أنواع الاستيلاء بالقوة على
الحكم والسلطة فى الدولة وهذا الأمر غير مشروع وتنص الدول فى قوانين عقوباتها على
عقوبات قاسية لمن يحاول قلب نظام الحكم بالقوة، والمساس بأمن وسلامة البلاد. ولكن
يمكن أن يصبح الانقلاب مشروعاً وذلك فى حالة إذا كان الهدف من الانقلاب صالح
أغلبية أفراد المجتمع أو يهدف إلى تحقيق المساواة القانونية بين المواطنين أو
تقرير الحقوق والحريات العامة أو إقامة النظام الديمقراطى أو إقامة النظام الجمهورى
بدلاً من النظام الدكتاتورى أو النظام الملكى. ولكن تتوقف مشروعية الانقلاب على
نجاح الحركة الانقلابية فإذا نجح قادة الانقلاب فى الوصول إلى السلطة والاستيلاء
على الحكم فإن الانقلاب سوف يصير مشروعاً وسوف يصيرون هم الحكام وهم أبطال زمانهم
وإذا فشل الانقلاب فسوف يقدمون إلى المحاكمة بالعديد من التهم الجنائية التى تؤدى
بهم إلى الإعدام. وبالتالى فإن التغلب على رئيس الدولة فى فقه الشريعة الإسلامية
يساوى الانقلاب على رئيس الدولة فى الأنظمة الدستورية المعاصرة، وإذا كان فقهاء
الشريعة الإسلامية قد أقروا إمامة وخلافة التغلب لمصلحة المسلمين إقراراً للأمر
الواقع ودرءاً للفتنة لئلا تقوم الأمة بمجابهة الخليفة المتغلب ويقاوم هو بجيوشه
فيصر الأمر فوضى ويقضى على كل شئ فنكون كمن يبنى قصراً ويهدم مصراً، كذلك كان
الإقرار فى الأنظمة الدستورية المعاصرة بالانقلاب والاعتراف به فى الفقه الدستورى
كسبب من أسباب الوصول إلى سدة الحكم وإلى السلطة كان ذلك من باب الاعتراف بالأمر
الواقع وبحالة الضرورة التى سبق وأن أقرها فقهاء الشريعة الإسلامية وذلك بدليل أنه
لو وقع انقلاب على حاكم ظالم وطاغية وفشل هذا الانقلاب فى تحقيق نتائجه وغاياته
فإن قادة وزعماء هذا الانقلاب سوف يقدمون إلى المحاكمة ولن تستطيع محكمة الحكم
ببراءة قادة الانقلاب نظراً لأن الحكومة أو الحاكم ظالم وطاغية. بل إن أحكام
الإعدام سوف تكون من نصيب قادة وزعماء الانقلاب أما فى حالة نجاح الانقلاب فإن
قادة وزعماء الانقلاب سيتولون الحكم فى الدولة ويقبضون على زمام السلطة فيها
ويكونون رجال الأمة الأبرار وأبطالها الأمناء ومخلصيها من الظلم والطغيان وسيقدمون
أعضاء الحكومة السابقة ورئيس الدولة أيضاً إلى المحاكمة بتهم الخيانة العظمى
واستغلال الحكم وكل ما يمكن إلصاقه إليهم من تهم وبالتالى فإن العبرة فى مدى شرعية
الانقلاب تتوقف على نجاحه وبالتالى يكون الأمر اعترافاً بالأمر الواقع وبحالة
الضرورة الراهنة التى سبق وأن قررها فقهاء الشريعة الإسلامية فى خلافة التغلب التى
تساوى الانقلاب على رئيس الدولة فى الأنظمة الدستورية المعاصرة، ويبقى للفقه
الإسلامى والشريعة الإسلامية قصب السبق فى تقرير هذا المبدأ وسموها وعلوها على
جميع الأنظمة الدستورية المعاصرة.

أما
الفصل الثالث الذى جاء بعنوان: “ مقاومة الطغيان لرئيس الدولة بين الشريعة
والأنظمة الدستورية المعاصــرة”
بإجراء المقارنة بين النتائج التى تم
التوصل إليها فى كلٍ من مقاومة الطغيان لرئيس الدولة فى الشريعة ومقاومة الطغيان
لرئيس الدولة فى الأنظمة الدستورية المعاصرة. وجدنا أن:

أولا:
أن مقاومة الطغيان فى الأنظمة الدستورية المعاصرة تتمثل فى مقاومة خروج رئيس
الدولة على مبدأ المشروعية وكذلك الشأن فى مقاومة الطغيان فى الشريعة الإسلامية
فإنها تتمثل فى مقاومة خروج رئيس الدولة على مقتضى أحكام النصوص القطعية للقرآن
الكريم أو السنة النبوية المشرفة.

ثانيا:
وإذا كان مبدأ مقاومة طغيان رئيس الدولة فى الأنظمة الدستورية يتنازعه مذهبين.
مذهب ينكر شرعية مقاومة طغيان رئيس الدولة، ومذهب يقرر ويؤكد على شرعية مقاومة
طغيان رئيس الدولة، إلا أن الشريعة استقرت منذ البداية ومنذ اللحظة الأولى بالأدلة
القاطعة سواء من القرآن الكريم أو السنة النبوية المشرفة أو أقوال الخلفاء
الراشدين أو آراء فقهاء الشريعة الإسلامية على تقرير مبدأ مقاومة طغيان رئيس
الدولة الإسلامية.

ثالثا:
أن صور مقاومة الطغيان فى الأنظمة الدستورية المعاصرة تنحصر فى عدم الطاعة وتقليل
الإنتاجية، والعصيان المدنى، والاحتجاجات، والإضراب السياسى، ثم الثورة. فإن
الشريعة الإسلامية كانت أوسع مجالاً فى تعدد صور مقاومة الطغيان حيث اشتملت على صور
عامة لمقاومة طغيان رئيس الدولة تمثلت فى قاعدة أو مبدأ الأمر بالمعروف والنهى عن
المنكر بدرجاته تبعا لما سبق أن ذكرنا من وجوب البدء بالإنكار بالقلب ثم بالنصيحة
والموعظة ثم بالتغيير باليد، والصور الخاصة التى تمثلت فى سقوط حقى الطاعة
والنصرة” للخليفة” رئيس الدولة الإسلامية الطاغية، ثم عزله أو الثورة
عليه فى حالة عدم انعزاله وتقديمه استقالته أو عدم انصياعه لقرار أهلُ الحلِّ
والعقدِ بالعزل من منصب رئاسة الدولة الإسلامية، ويتضح من كل ذلك:

أ
) أن الشريعة الإسلامية كانت واضحة منذ اللحظة الأولى فى تقريرها لمبدأ مقاومة
طغيان رئيس الدولة فى حين أن هذا المبدأ تنازعه مذهبين فى الأنظمة الدستورية
المعاصرة.

ب)
أن الشريعة الإسلامية أوسع مجالاً من ناحية تعدد صور مقاومة طغيان رئيس الدولة
وتدرج هذه الصور بما يعطى للشريعة الإسلامية الغراء وضعا خاصاً وأفضلية سبقت بها
الأنظمة الدستورية المعاصرة. أضف إلى ذلك أن الشريعة الإسلامية قررت فى دستورها
المتمثل فى القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة مبدأ مقاومة الطغيان سواء بصفة
عامة ولرئيس الدولة بصفة خاصة، فى حين أن دساتير الأنظمة الدستورية المعاصرة لا
تنص على مبدأ مقاومة طغيان رئيس الدولة بما يعطى الشريعة الإسلامية الغراء
الأسبقية والأفضلية على كل ما عداها من جميع الأنظمة الوضعية القانونية والدستورية
المعاصرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى