انتشرت منذ سنوات وحتى الآن ظاهرة الجامعات الخاصة والأهلية والتي تشهد إقبالا كبيرًا من الناجحين فى الثانوية العامة. وعلى قدر الحاجة إلى التطوير فى مجال التعليم والتوسع فى هيكله الاستراتيجى والتخطيط المستقبلى لضمان إلحاق الخريجين فى سوق العمل بالتساوى مع خريجى الجامعات الحكومية.
لكن اللافت للنظر هو انتشار كليات طب الأسنان بشكل كبير عن باقى الكليات الخاصة مما يشكل عبئا على الدولة من حيث تدريب سنة الامتياز وتعيين خريجى الكليات الخاصة والذى أصبح عددهم يفوق أعداد خريجى الكليات الحكومية. فعندما يتم تخريج دفعات جديدة من كليات طب الأسنان من الجامعات الخاصة يتم توزيعهم على مستشفيات وزارة الصحة المختلفة للتدريب فى سنة الامتياز، إلا أن المستشفيات لا تستوعب الأعداد الكبيرة من خريجى الجامعات الحكومية والخاصة، الأمر الذى أدى إلى مشاركة بعض المراكز الطبية المؤهلة لاستيعاب أطباء الأسنان الامتياز للتدريب فيها.
ولكن الظروف الاقتصادية أثرت بشكل واضح على أداء هذه المراكز بسبب عدم توافر المستلزمات الخاصة بالعيادات بشكل منتظم، بالإضافة إلى المبالغ الزهيدة التى كان يتم تحصيلها من المرضى نظير الخدمة الطبية والتى لا تستطيع توفير أية مستلزمات من خلالها وهذه المبالغ كانت تطبق من خلال اللائحة ٢٣٩ لسنة ١٩٩٧ولم تتغير إلا منذ شهور قليلة .
فعدم توافر المستلزمات والأجهزة الطبية السليمة وضع وزارة الصحة فى حرج أمام خريجى الكليات الخاصة لأن طالب الامتياز يسدد مبالغ لوزارة الصحة قد تصل إلى ما يقرب من خمسة آلاف جنيه كل ثلاثة أشهر نظير التدريب فى مستشفيات ومراكز وزارة الصحة التى لم تستطيع توفير المستلزمات اللازمة لهم والذى من المفترض أن يكون التدريب تحت إشراف نخبة من أطباء أسنان القوة الأساسية والذين رصدت لهم الوزارة مبالغ مالية لهذا الغرض ولم يتقاضوها حتى الآن بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات !!. مما اضطرهم إلى توفير المستلزمات على نفقاتهم الخاصة من أجل استكمال سنة الامتياز، وسط أجواء صعبة بسبب تكرار أعطال وحدات الأسنان والتى لم يتم لها توفير الصيانة بشكل منتظم بسبب الروتين الحكومى ونقص الموارد اللازمة لسداد قيمة إصلاح الوحدات المعطلة.
وبسؤال المسئولين فى الوزارة يكون الرد: إن على طبيب الامتياز إحضار كل ما يلزم من مستلزمات على نفقته الخاصة وليس على الوزارة إلا توفير الوحدة التى يعمل عليها فقط، وغالبا ما تكون متهالكة وغير صالحة للعمل عليها بكفاءة !! . والغريب أن الإدارات المسئولة فى الوزارة ترسل كل فترة بيانات الغرض منها معرفة عدد الوحدات المعطلة دون أن تتدخل بحلول جذرية ويستمر هذا الوضع لسنوات دون جدوى سواء بإصلاح الوحدات القديمة أو بتوفير وحدات حديثة، مما اضطر بعض مديرى المراكز وأقسام الأسنان فى المستشفيات والوحدات الطبية إلى اللجوء لتوفير وحدات أسنان على سبيل التبرع، إلا أن هذه الخطوة قد قوبلت بالتعسف الروتينى أيضا من ناحية إحضار الأوراق اللازمة للتبرع والتى تتمثل فى فاتورة الشراء بها بيانات الجهاز وخطاب رسمى من الجهة المتبرعة مرفق بها صورة بطاقة الرقم القومى للمسئول فى هذه الجهة وخطاب من المركز الطبى أو المستشفى موجه إلى المنطقة الطبية يطلب فيه الموافقة على هذا التبرع والتى تقوم بدورها لرفعه إلى مديرية الشئون الصحية التى ترفعه للمحافظ المسئول فى المحافظة التابع لها المستشفى أو المركز للموافقة على التبرع.
هذه الخطوات بالطبع تستغرق سنوات، أى أن الطريق أصبح صعبا سواء بإصلاح الوحدات القديمة وصيانتها أو توفير وحدات جديدة بمعرفة الوزارة أو توفيرها على سبيل التبرع ويظل الطبيب ومعه المواطن البسيط يدفعان الثمن!.
وبعد مرور سنة الامتياز يجد طبيب الامتياز نفسه مفلسا علميا نتيجة كل هذه المهاترات لأنه لم يتدرب بالشكل الكافى الذى يؤهله لتحمل المسئولية أمام المريض.
وتأتي المفاجأة بعد تكليف هؤلاء الأطباء فى المراكز والمستشفيات المختلفة فى أول يوم لاستلام العمل فيستبدل العمل من طبيب أسنان إلى مُدخل بيانات على الكمبيوتر لرصد حالات المترددين من المرضى على مختلف المبادرات الطبية وهو عمل لا يمت لعلاج الأسنان بصلة. وذلك بسبب عجز الموظفين فى هذه المستشفيات والوحدات.
فى إحدى الزيارات التى قام بها وزير الصحة لاحظ تكدس أعداد من أطباء الأسنان فى معظم الأماكن التى زارها وأمر بإعادة توزيعهم مرة أخرى على مختلف المراكز والمستشفيات أملا فى الحصول على أعداد أقل الأمر الذى أصبح مستحيلا وذلك نتيجة كثرة الخريجين وعدم إنشاء مراكز أو مستشفيات جديدة لاستيعاب هذه الأعداد.
فى هذا الإطار، تقع المسئولية على المجلس الأعلى للجامعات وأيضا نقابة أطباء الأسنان التى يجب أن يكون لها دور أساسى تجاه هذه الأزمة، وتدخل المسئولين لحلها أو الحد منها، إما بالحد من قبول طلاب كليات طب الأسنان أو توفير المستشفيات والوحدات اللازمة لاستيعاب كل هذه الأعداد.